الآية يذكر الله تعالى عن عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام أنه كان ذا أيد ، والأيد : القوة في العلم والعمل ، قال ابن عباس : الأيد القوة ، وقال مجاهد : الأيد القوة في الطاعة ، وقال قتادة : أعطى داود عليهالسلام قوة في العبادة وفقها في الإسلام ، وقد ذكر لنا أنه عليهالسلام كان يقوم ثلث الليل ، ويصوم نصف الدهر ، وهذا ثابت في الصحيحين عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود ، وأحب الصيام إلى الله عزوجل صيام داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، ولا يفر إذا لاقى» ، وإنه كان أوابا ، وهو الرجاع إلى الله عزوجل في جميع أموره وشئونه (١).
وانطلاقا من كل هذا ، فالقصة التوراتية وما سار على نهجها من قصص ، عن علاقة داود عليهالسلام ، بزوجة «أوريا» الحشي ، لا يتصور صدق وقائعها من رجل عادي ذي خلق ، وفضلا عن نبي كريم ورسول جليل ، ومن هنا فقد أخطأ بعض المفسرين خطأ كبيرا ، إذ فسروا ما جاء في سورة ص عن الخصمين اللذين اختصما إليه على نحو قريب مما جاء في التوراة (٢) ، مع أن العبارة التي ذكرت بها القصة في القرآن لا تدل على شيء من ذلك ، ومن هنا فقد ختمت هذه الآيات الكريمة بقوله تعالى : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) ، وبدهي أنه لا يمكن أن تكون الزلفى وحسن المآب للزناة القتلة ، ومن هنا رأينا السّدى يروي عن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه في الجنة ، أنه قال : «لو سمعت رجلا يذكر أن داود عليهالسلام قارف من تلك المرأة محرما لجلدته ستين ومائة» ، لأن حد قاذف الناس ثمانون ، وحد قاذف الأنبياء ستون ومائة ، وفي رواية النسفي
__________________
(١) تفسير ابن كثير ٤ / ٤٥ ـ ٤٦ ، تفسير النسفي ٤ / ٣٦.
(٢) انظر : تفسير مقاتل ٣ / ١٢٦٦ ـ ١٢٦٨.