ذلك لأن حركة السخط التي قام بها «شبع بن بكري» من سبط بنيامين (١) (سبط طالوت) ضد داود ، بعد انتصاره على ولده أبشالوم ، إنما قد استمدت قوتها من المعارضة الدائمة بين قبائل الشمال والجنوب ، ورغم أن داود عليهالسلام قد كتب له نجحا بعيد المدى في القضاء على كليهما ، وأن القضاء على ثورة شبع كان أسرع من القضاء على ثورة أبشالوم ، فالذي لا شك فيه أن الأمور في إسرائيل ربما كانت سوف تتغير كثيرا بسبب هاتين الثورتين ، لو لا وجود شخصية داود القوية (٢) ، ذلك لأن التنافس بين قبائل الشمال والجنوب كان أقوى عوامل هدم مملكة إسرائيل ، وهو تنافس لم يقض عليه أبدا ، بل هو نفسه الذي قضى على الدولة (٣).
وأيا ما كان الأمر ، فإن ثورة أبشالوم إنما كانت جد خطيرة ، حتى إن داود عليهالسلام لم يجد بجواره غير حرسه الخاص وحتى اضطر إلى أن يعبر الأردن إلى «محانيم» تحت حماية التابوت مع رجاله ، حتى لا يفاجأ بأبشالوم وأتباعه في العاصمة أورشليم (٤) ، بل إن بعض المصادر العربية جعلته يلحق بأطراف الشام ، بل إن الخيال ذهب بهم إلى أن يصلوا به إلى خيبر وما إليها من بلاد الحجاز (٥) ، بينما ذهب آخرون إلى أن داود هرب ماشيا على رجليه حتى صعد عقبة طور سيناء ، وبلغ منه الجوع حتى لحقه رجل معه خبز وزيت فأكل منه ، ودخل أبشالوم مدينة أبيه ، وصار إلى داره وأخذ سراري أبيه فوطأهن وقال : ملكني الله على بني إسرائيل ، وخرج معه اثنا عشر ألفا فطلب داود ليقتله ، فهرب داود حتى جاز نهر الأردن (٦) ، وهكذا يبدو واضحا مدى
__________________
(١) صموئيل ثان ٢٠ / ١ ـ ٢٢.
(٢) O.Eissfeldt ,Op ـ cit ,p. ٥٨٦.
(٣) سبتينو موسكاتي : المرجع السابق ص ١٤١.
(٤) صموئيل ١٤١١٥ ـ ١٦ / ١٤.
(٥) تاريخ ابن خلدون ٢ / ١١١ (بيروت ١٩٨١).
(٦) تاريخ اليعقوبي ١ / ٥٣ (بيروت ١٩٨٠).