وأمره بالرفق به والتلطف لعله يأسره ولا يقتله ، وطلبه القائد وهو منهزم فاضطره إلى شجرة فقتله ، فحزن عليه داود حزنا شديدا وتنكر لذلك القائد (١).
ويذهب بعض المؤرخين المحدثين إلى أن القبائل الإسرائيلية ربما كانت غير راضية عن اتساع أملاك داود التي بدأت تمتد إلى ما وراء مناطقها ، ذلك لأن ضم إسرائيل لعديد من المدن المستقلة ذات المستوى الحضاري المتقدم ، والتي تمتلك صناعات هامة ، فضلا عن سيطرتها على أراض كبيرة وغنية تمر خلالها طرق القوافل ، كل ذلك أدى إلى رخاء مفاجئ في إسرائيل ، تمتعت به طبقة خاصة صغيرة من رجال البلاط وكبار الموظفين وقادة الجيش والتجار ، بينما لا يتمتع العامة من القوم ممن كانوا يعملون جنودا عاديين في الجيش بمثل هذا الرخاء ، مما جعلهم غير راضين عن الوضع الجديد المفاجئ ويتقبلون دعاوي أبشالوم ضد أبيه (٢) ، أضف إلى ذلك ، فيما يرى البعض ، التوتر القائم بين يهوذا وإسرائيل ، والذي ظل قائما أبدا ، ورغم أنه لم يكن السبب الرئيسي للثورة ، إلا أنه لعب دورا هاما فيها ، بخاصة وأن يهوذا حيث قامت الثورة في حبرون ، بدأت تحس أن داود بدأ يفضل إسرائيل عليها (٣) ، وأخيرا فلعل من أسباب الثورة ذلك الاتجاه العدائي من القبائل الإسرائيلية ، التي اعتادت النظام القبلي ، ضد سياسة المركزية التي بدأت تسير عليها مملكة داود (٤).
ومع ذلك فإن أسباب ثورة أبشالوم ما زالت تنتظر مزيدا من الوضوح ،
__________________
(١) ابن الأثير : الكامل في التاريخ ١ / ١٢٧ ، وانظر : تاريخ الطبري ١ / ٤٨٤.
(٢) O.Eissfeld.Op ـ cit ,p. ٥٨٦ ـ ٥٨٥ A. Alt, Die Staatenluidung der Israeliten in Palastina, Mur. chen, ١ F ٥٦.p ، ١٩٥٣.
(٣) Eissfldt ,Op ـ cit ,p. ٥٨٦.
(٤) W. Albright, Archaeology and Religion of Israel, p. ١٥٨.