يحرك رأسه ويميل ذنبه فقال لأصحابه : أتدرون ما يقول ، قالوا الله ونبيّه أعلم ، قال يقول : إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء ، وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول : ليت ذا الخلق لم يخلقوا ، وصاح طاوس فقال يقول : كما تدين تدان ، وصاح هدهد فقال يقول : استغفروا الله يا مذنبين وصاحت رخمة فقال تقول : سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه ، وصاح قمري فأخبر أنه يقول : سبحان ربي الأعلى وقال : الحدأة تقول كل شيء هالك إلا الله ، والديك يقول : اذكروا الله يا غافلين ، والنسر يقول : يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت والعقاب ، والضفدع يقول : سبحان ربي القدوس (١).
وقال تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (٢) ، يذيعها سليمان عليهالسلام في الناس تحدثا بنعمة الله وإظهار الفضلة ، لا مباهاة ولا تنفجا على الناس فما يملك تعليم منطق الطير لبشر إلا الله ، وكذلك لا يؤتى أحدا من كل شيء ، بهذا التعميم ، إلا الله ، ومن المعروف أن للطيور والحيوان والحشرات وسائل للتفاهم ، هي لغاتها ومنطقها ، فيما بينها ، والله سبحانه خالق هذه العوالم يقول : «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم» ، ولا تكون أمما حتى تكون لها روابط معينة تحيا بها ، ووسائل معينة للتفاهم فيما بينها ، وذلك ملحوظ في أنواع كثيرة من الطيور والحيوان والحشرات ، ويجتهد علماء هذه الأنواع في إدراك شيء من لغاتها ووسائل التفاهم بينها عن طريق الحدس والظن ، لا عن الجزم واليقين ، فأما ما وهبه الله لسليمان عليهالسلام ، فكان شأنا خاصا به على طريق الخارقة التي تخالف مألوف البشر ، لا على طريق المحاولة منه ، والاجتهاد لتفهم وسائل
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، تفسير النسفي ٣ / ٢٠٥.
(٢) سورة النمل : آية ١٦.