الكيمان بألف دينار وتقاتل الناس وذهبت أموالهم وأصبح غالب الأغنياء فقراء ثم بعد عشرين يوما نقصت دجلة وانقطع الماء فبقيت البلد كأنها سفينة غرقت. ثم نقص الماء فبقيت ملآنة بالموتى من الأهلين والدواب فجافت ونتنت وبقي الماء كأنه الصديد فوقع الفناء في الناس بأنواع من الأمراض من الاستسقاء وحمى الدق وغلت الأسعار. وكان أويس بتبريز ، فلما بلغه الخبر غضب على نوابه فالتزم الوزير عن نائبه أن يعمر بغداد من خالص ماله بشرط أن يطلق للناس العراق ثلاث سنين للزراع والمقاتلة وأن لا يطالب أحدا بدين ولا بصداق ولا حجارة ولا بحق فقبل السلطان فشرع في ذلك ونادى من أراد عمارة بيته ليجئ يأخذ دراهم ويسكن بيته بالأجرة حتى يوفي ما اقترضه ثم يصير البيت له وأخذ في عمارة السوق والسور ... هذا ما ذكره صاحب الأنباء ... وقد عين تاريخ الغياثي حادث الغرق ليلة السبت ٢٣ شوال من هذه السنة كما أن الخواجة سلمان الساوجي ذكر وقوعه في السنة المذكورة. ولكن غالب المؤرخين مشى على حدوثه في سنة ٧٧٦ ه ويفسر هذا بوصول الخبر وفي تاريخ وفاة نائب بغداد عبد الغفار الآتي ذكره يشعر بذلك أيضا ...
وفي حبيب السير ذكر الغرق في سنة ٧٧٦ ه وقال : طغت مياه دجلة فصار الغرق ببغداد وتهدمت عماراتها العالية ، وذهب الآلاف من دورها فصارت أنقاضا ، ومات خلق عظيم تحت الأنقاض ... فكانت الخسارة عظيمة في النفوس والفادحة لا تقدر في الأموال وعادت بغداد خرابا بعد نضارتها وزهوها. وجاء في الدر المكنون أن الغرق كان في السنة المذكورة.
وهذا المصاب يذكرنا بما هو معروف لدى الأهلين وراسخ في أذهانهم من أن بغداد بين غرق وحرق ...