صوب فتأثيره كان كبيرا ، وبقي في هذا المنصب مدة حتى نال النفوذ المطلق بحيث صار الوالي يهابه. لا يستطيع مخالفته ، ولا يخرج عن رأيه خصوصا حينما رأى الأهلين معه وهم قوة لا يستهان بها ولم يكن آنئذ للولاة اتصال بحكومتهم. فكانوا يتوقعون منه كل شر. ولما كان عسكر بغداد بيده من مدة فليس للولاة غير الاسم المجرد. والحكم كله له. وهكذا مضى ، ولا يزال يتكامل جمعه ، وتقوى عصبته.
استثقل يوسف باشا هذه الحالة وصار يترقب الفرصة للوقيعة به ، وفي سنة ١٠٣١ ه عصى بعض العشائر في الأنحاء القاصية وزاد ضررهم فتحتم إرسال قوة تأديبية لدفع غائلتهم فذهب (بكر صوباشي) بنفسه لتسكين هذه الفتنة وأقام ابنه محمدا مقامه. وكان آنئذ رئيس كتيبة الخيالة (بلوك باشي) ومحمد آغا العقيد (البيكباشي) فاستمال يوسف باشا محمد آغا المذكور فهرب أولاد بكر صوباشي وأخذت أموالهم وسدت أبواب بغداد وتهيأ يوسف باشا للقتال. ولما كسر بكر صوباشي تلك العشائر وعاد بلغه الخبر ، فحاصر بغداد. انضم إليه جمع عظيم لهذا الغرض وكان من جملة من سافر مع بكر صوباشي (عبد الله الرئيس ابن محمد قنبر أغا العزب) (١) ، وتفصيل الخبر أن محمد قنبر هذا استفادة من غياب بكر صوباشي صار يشوق الأهلين على بكر صوباشي ويحثهم أن يقوموا عليه. فعل ذلك بإغراء الوالي يوسف باشا وبين أن بقاء الحالة بهذا الوضع مما يخل بسمعة البلدة ، ويقضي على مصالح الأهلين ويضر بحقوقهم.
وحينئذ دعا السپاه (٢) والعزب والأشراف والأعيان ممن في بغداد
__________________
(١) العزب صنف من الجيش الأهلي من قسم المشاة. ويشترط أن يكونوا غير متزوجين ، ومن ثم سموا بـ (العزب).
(٢) السباه. جيش من صنف الخيالة يستخدم في الحرب وفي أيام السلم يقوم بانضباط المملكة ويجمع الأعشار. يقوم بتجهيزه التيمار. وله كسوة خاصة. (تشكيلات وقيافت عسكرية ص ٦٢).