الميدان وحمل على أعدائه فدامت المعركة بين الطرفين بضع ساعات في خلالها قتل خلق لا يحصى. فكانت النتيجة أن انتصر بكر صوباشي وأتباعه وخذل أتباع الوزير. وحينئذ لجأ أعوانه إلى القلعة الداخلية وفي الحال اتخذ القوم المتاريس والخنادق حولهم فحصروهم.
رأى محمد قنبر أغا هذه الحالة بأم عينه وشاهد الخطر المحدق فأخذته الحيرة من خفوق مسعاه وصار لا يدري أين يتوجه. ارتبك عليه الأمر وأضاع رشده. قطع الأمل من النجاة. لا سيما بعد أن علم أن الكتاب الذي أرسله إلى ابنه قبض عليه بكر صوباشي وكان يحثه به أن يسرع بمن معه من العزب ، ويتخذ تدبيرا عاجلا ، وأن يستأصل بكرا وأتباعه ويأتي بباقي العسكر بلا تأخر. وعندما وقف على منطوياته أمر بالقبض على ابنه عبد الله الرئيس وكان نائما فاعتذر لنفسه ودافع بكل ما أوتي من بيان فلم ينجع. وإنما ضرب عنقه. وفي الحال تفرق أتباعه من العزب في البراري منهزمين ورجع بكر صوباشي لحينه إلى بغداد فعلم بذلك محمد قنبر أغا وشعر بما حل بابنه من الرزية. وما سيناله من مصيبة.
إن بكر صوباشي وأتباعه وافوا على عجل وعبروا دجلة ومالوا ميلة واحدة على أعدائهم فأذاقوهم وبال أمرهم. وفي المعركة قتل الوالي. كان واقفا على تل الطوب فأصابته طلقة نارية أردته قتيلا. واستمر الباقون لبضعة أيام على حصارهم ، وقد قيل (المحصور مغلوب) فلم يروا بدا من التسليم وطلب الأمان.
وهنا تلاعبت أقلام كتابهم في بيان أعمال بكر صوباشي وتمثيله بالمحاربين ، وقسوته ، وأنه لم يقبل أمانا وإنما غصب ودمر ما شاء أن يدمر (١). وقالوا نهبت العتاد (الجبه خانه) المخزونة من أيام السلطان
__________________
(١) خبر صحيح ، كلشن خلفا ، جامع الدول ج ٢ ص ١١٣٧ ، وفذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ٣٩.