«أمر السلطان بحفر لغم عظيم وضع فيه البارود وأطلقت فيه النار فهدم جانبا عظيما من جدار السور بحيث قيل إنه لم يكن لغم مثله في محاصرة قلعة من القلاع فصار يرى من هدم اللغم ما في مدينة بغداد من البيوت لأنه صار في ذلك الجانب جدار السور سهلا مستويا مع سطح الأرض ، فلما رأى جيش بغداد ما دهمهم مما لم يعرفوه قط تلاشوا وبعثوا إلى الشاه يريدون التسليم وكان عسكر السلطان قد توانوا في الهجوم وتثبطت همة العجم. وفي أثناء ذلك أرسل الشاه رسولا يطلب الصلح وكان الرسول من أعيان عسكر الشاه يسمى جانبك سلطان. وفي يوم الجمعة ١٣ رجب بكرة النهار اجتمع بالوزير الأعظم في ديوان عظيم ودفع إليه كتاب الشاه بالصلح فقرىء بمسمع من الناس وفهم الكل منه ما قصد الشاه من الحيلة فأبى السلطان وجميع الوزراء والأركان الصلح ...
(قال المحبي) : وقد رأيت الواقعة بخط الأديب رامي الدمشقي. ثم أطلق السلطان الأمر بالمحاصرة الشديدة وشدد في ذلك» ا ه (١).
وكانت في ١٢ رجب قد أفرزت ثلة من الجيش بحرسها وعدتها الكاملة ذهبت إلى جهة شهربان (المقدادية) مع الوزير سلحدار باشا والتحقت بوالي طرابلس شاهين باشا فبلغ المجموع اثني عشر ألفا. وحينئذ وصلوا إليها وهذه من مضافات بغداد ومشهورة بالنعمة والبركة. ومملوءة بالأطعمة والفواكه. لا سيما رمانها. فالعساكر أغاروا على شهربان ونواحيها فغنموا غنائم وافرة وعادوا إلى الفيلق.
وقدموا للسلطان نوعا نفيسا من الرمان فوزنت واحدة منه فبلغت أربعمائة درهم. والترك يسمون الرمان (نارا) ويحكى أنه لما سمع أحدهم المثل (النار فاكهة الشتاء) قال : (خصوصاً شهربان ناري) أي لا
__________________
(١) خلاصة الأثر ص ٣٣٨.