والقضايا الخاصة ، ويستعين القضاء أحيانا بالمفتين للتبصر بالرأي ، والتمكن من الاستدلال الفقهي.
والعهد العثماني التزم مذهبا بعينه وهو مذهب أبي حنيفة ، وكان الشائع في العراق ولا يزال (المذهب الشافعي) وقبله كان الصوت للمذهب الحنبلي ، وهذا لا يخلو من اعتلال ، وإن كان الفقه سار سيرة قانونية ، وأدى واجبا ثابتا لا يتزعزع ، ولا يعتريه أي خلل في نهجه وفي معلومية أحكامه. فالقضاء ارتكز على هذا الأصل الفقهي ، وأن (المشيخة الإسلامية) ، و (دار الفتوى) قد سيطرتا على الحالة ، فلم تدعا مجالا للتشويش فمضى الفقه والقضاء على حالة تطبيقية في مراعاة نهج قطعي لا يتغير.
والدولة العثمانية رأت المدارس الكثيرة في بغداد ، وفي الشام ، وفي مصر فانبهرت بمقاييسها لتمكين الفقه ، وتقوية القضاء. فبذلت في هذا السبيل ما أمكن من قدرة ، وحاولت التفوق بالسلاح العلمي وسارت سيرة موفقة ، فأسست المدارس ، وشيدت صروح العلم ، فلم تمض مدة حتى تمكنت من ناصية العلوم ، وظهرت بمظهر العظمة. وهكذا لم يعوز الدولة. وكانت الكل في الكل في إدارة الثقافة فسهلت طريق (خزائن الكتب) ، فبدأ السلاطين بالوقف ، وبجعلها عامة ، ومالت الرغبة إليها ، فلم تمض مدة حتى اقتنت آثارا لا تحصى ، ولم تكتف بالمدارس وحدها فتكاملت العلوم جمعاء ، فنهجت في الفقه نهجا صالحا مقبولا ، وأن التجارب جعلتها تستقر على مؤلفات معتبرة في الفتاوى لتأمين السيطرة القضائية ، وأن لا يركن القضاء إلى الميول النفسية ، فقبلت الفتاوى المعتبرة لأكابر الفقهاء ، ولم تترك الأمر إلى القاضي بلا قيد ولا شرط ، فيرجح القول الضعيف باقترانه بحكم الحاكم.
ويخطىء من يظن أن القضاء لم ينل عناية أو رعاية من العثمانيين