لما رأينا مؤخرا من انحلال. هذا الانحلال لم يقتصر على ضرب من ضروب الإدارة ، بل لم يسلم منه القضاء. ومن أهم العوامل الحروب الخارجية والفتن الداخلية. فالداء كان عاما شاملا في اضطراب جسم الدولة. وفي أول الأمر أي في بدء الفتح العثماني للعراق لم تكن الحالة كذلك ، فقد سيطرت مؤخرا المشيخة الإسلامية ، ودار الفتوى على المرافق العلمية والفقهية ومن أجل أركانها المدارس والقضاء ...
٢ ـ القضاء في بغداد :
هذه مكانة القضاء في المملكة العثمانية. كانت احتفظت به الدولة وصارت تنصب القضاة في بغداد ولو كان فيها من الفقهاء الأكابر من يصلح إلا أن سياستها كانت تدعو إلى ذلك. ولعل في هذا وفي الدفتريين ما يعين لها الحالة لأخذ المعلومات ، والانتباه إلى الحوادث بعناية زائدة ، كما احتفظ العراق بالإفتاء في أكثر الأحيان ، وكانت تختار لقضاء بغداد قضاة متميزين في العلوم معروفين في الفقه والعلوم الإسلامية ، فيعدون من الصنف الأرقى ، وعلاقة القضاء بالسياسة كبيرة جدا ، فلا تريد أن تجلب الدولة النقمة عليها من علماء بغداد بحرمانهم من جميع المرافق العلمية ، ورجال الإفتاء عندهم كثيرون وصلاح الدولة مرتبط بجميع نواحيه فلم تتهاون في أمر من أمورها.
وهؤلاء القضاة كانت سلطتهم واسعة في الأمور العلمية. وفي أول الأمر بهرتهم المدارس وتوجيهها ، والأوقاف وحسن إدارتها واستقرارها ، والأوضاع العلمية وحالاتها ... فاقتبسوا ما كان ، وأصلحوا ما عندهم ، ورعوا الأوقاف والمدارس حق رعايتها ، ونهجوا بالعلوم والآداب النهج المشهود ، فنقلوا غالب ما وجدوا ضرورة لنقله ، واقتبسوا وخدموا العلوم والآداب ، وصاروا يبذلون الغالي والرخيص في سبيل الحصول على ما يرفع المستوى العلمي والفقهي عندهم ، وتجمعت الثقافة في عاصمة