جعل العبادات محدودة توصله بربّه ولا تقطعه عن مجتمعه ، وراعى الظروف الطارئة للإنسان فنوّع العبادة ، في الحضر والسفر والمرض ، وجعل العبادات المندوبة منسجمة مع اختيار ورغبة الإنسان ، فراعىٰ طاقته المحدودة وتبدل الاقبال في نفسه وفي واقعه الخارجي ، وفي ذلك قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّ للقلوب شهوة واقبالأ وادباراً ، فاتوها من قبل شهواتها واقبالها ، فانّ القلب إذا اُكره عمي » (١).
وراعى المنهج التربوي واقع الإنسان النفسي والروحي والمعنوي وحاجاته المتنوعة ، فقد راعىٰ فطرة الإنسان في ميلها إلى الترويح عن النفس ، فسنّ لها الألعاب المنسجمة مع إنسانية الإنسان كالفروسية والسباحة والرمي وما شابه ذلك ، وأباح له الملكية الفردية في حدودها المشروعة ، ووضع له قواعد موضوعية في العلاقات والمعاملات والممارسات ، فقد جعل الضرورات تبيح المحظورات ، وجعل نظام العقوبات منسجماً مع فطرة الإنسان وواقعه مع مراعاة ظروف الانحراف والجريمة وأسبابها وعواملها.
وقد دلّت الدراسات النفسية والاجتماعية علىٰ حاجة الإنسان للعقاب من أجل اصلاح وتغيير وراحة نفسه ، فالمصاب بعقدة ذنب ( لا يستطيع أن يُخفّف مما يعانيه من شعور خفي موصول بالذنب إلّا إذا ورّط نفسه ـ عن غير قصد ظاهر منه ـ في متاعب ومشاكل.. لا يناله منها إلّا العنت والتعب والمشقة والعذاب ، بل قد يستفز عدوان الغير عليه أو عدوان المجتمع ، فإذا حلّ به العقاب هدأت نفسه وزال عنه ما يغشاه من توتّر ، فكأن هذا الفرد في حاجة موصولة إلىٰ عقاب نفسه سواء كان هذا العقاب مادياً أو معنوياً... والواقع أنّ
_______________________
(١) نهج البلاغة : ص ٥٠٣.