المُقدَّمةُ
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام علىٰ خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد المصطفىٰ وآله الطيبين الطاهرين.
من الحقائق الثابتة انّ التربية العشوائية أو العفوية تبدّد الطاقات والجهود ، وتخلق الاضطراب والبلبلة في المجال النفسي والسلوكي ، وتحرف الأهداف والغايات التربوية عن مسارها الحقيقي ، ومن هنا كانت الحاجة إلىٰ منهج تربوي ثابت في اُصوله واضح في مقوماته وموازينه ضرورة من ضرورات الحركة التربوية ، فهو الذي يرسم للتربية مسارها السليم المتوازن ، ويحدد لها معالم طريقها ، ويوجه الجهود والنشاطات والبرامج التربوية لتقرير المفاهيم والقيم الصالحة والسامية في الواقع الانساني.
وقد بذل العلماء والباحثون والمتخصصون في شؤون التربية جهوداً كبيرة ومتواصلة للتوصل إلىٰ منهج تربوي يستندون إليه في انطلاقاتهم نحو تربية الانسان والمجتمع على اُسس سليمة وصالحة ، ولم تتوقّف هذه الجهود قديماً وحديثاً ولا زالت مستمرة ، إلّا انها لم تتفق علىٰ نقاط مشتركة يمكنها أن تكون ميزاناً ومعياراً للجميع ؛ لاختلاف العلماء والباحثين في متبنياتهم العقائدية والفكرية ، ولاختلافهم في معرفة القوى المؤثرة في حركة الكون والحياة والمجتمع والتاريخ.
وفي واقعنا الإسلامي اختلفت البحوث والدراسات أيضاً ، فمنها ما اعتمد على الدراسات الغربية النظرية والميدانية ، دون بذل جهد للبحث عن منهج يعتمد على الأسس والمفاهيم والقيم الإسلامية. ومنها ما هذّب وشذّب لكي يرتدي مظهراً شرقياً وإسلامياً ، دون الرجوع إلى أهل الاختصاص في العلوم الإسلامية ، ومنها ما زاوج بين الدراسات الغربية والدراسات الشرقية النظرية والميدانية بما يلائم النظرة الشرقية للحياة والمجتمع.
واعتمدت بعض الدراسات علىٰ خبرات أساتذة الجامعات في المجالين : النظري والتطبيقي ، فخرجت بنتائج ايجابية لاعتمادها على الواقع الإسلامي ولكنها ليست بمستوى الطموح.
وهنالك دراسات قام بها متخصصون في العلوم الإسلامية جمعت بين الدراسات الحديثة الغربية والشرقية وبين الدراسات الإسلامية ، ولكنّها لم تبحث المنهج التربوي بشكل مستقل وبمستوى الطموح. وجزى الله الجميع خيراً ما دامت نواياهم منصبة علىٰ رفد الساحة التربوية بدراسات تسهم في البناء التربوي السليم.