مستمداً نقطة انطلاقه من الخبير العارف بما يصلح الناس جميعاً ، منسجماً مع فطرتهم وتطلعاتهم وغاية وجودهم ، لكي تتوفّر القناعة الشعبية العارمة في تطبيق برامجه بلا حاجة إلىٰ تطبيقها قسراً من سلطة أعلىٰ.
وعلى هذا الأساس فإن صياغة المنهج التربوي في مجتمعنا المسلم يجب أن تنطلق من مسلمات ايمانية ، وأسس عقلانية راسخة ليتشكل بمجموعها الاطار الأساسي لذلك المنهج. وبعبارة أدق.. إن اختيار المنهج التربوي لتطبيقه علىٰ واقع المجتمع المسلم يجب أن يلحظ مسألة التعبد بالنص المتجذرة في أعماق الأمة المسلمة ، مما يعني هذا ضرورة استنطاق النص في صياغة كل منهج ، لا سيما التربوي الذي يهدف إلىٰ حراسة الأمة وحفظها من الانهيار ، والقضاء علىٰ كل ما من شأنه أن يفسد علىٰ الناس فطرتهم أو يبعث علىٰ انحراف سلوكهم ، أو يساعد علىٰ التواء سليقتهم ، أو يعكر نظرتهم وتفكيرهم ؛ لكي تُربى الأمة ـ حينئذٍ ـ على عقيدة التوحيد الخالصة ، وتكون حركة المجتمع كلها باتجاه الحق المطلق ، وبهذا ينسجم المنهج التربوي مع فطرة الله التي فطر الناس عليها جميعاً.
ولا شك أنّ تطبيق مثل هذا المنهج سيحقق أعلى درجات الموازنة بين حب الذات كغريزة وحب الغير كضرورة إنسانية ، بين حب البقاء والتضحية في سبيل العقيدة والمبدأ ، وبين حب الدنيا والعمل للآخرة. وسيغرس بذور الشعور بالمسؤولية في ذهن الأمة وتكون أفعالها وأقوالها مستندة علىٰ أساس مقبول. وهذا ـ في الواقع ـ هو منهج الإسلام بخطوطه العريضة الواسعة ، الذي يسلّم بأهمية الفرد وأسبقيته الوجودية في المجتمع من جهة ، ولكنه من جهة أخرىٰ يعطي للمجتمع عناية خاصة مركزة باعتباره الأساس الذي تجري عليه السنن التاريخية في نشوء الحضارات وفنائها ، وفي بقاء الأمم وهلاكها.
وحقيقة كون الإسلام صالحاً لكل عصر وجيل هي التي تبرر لنا التأكيد علىٰ منهج أهل البيت : في التربية ، لأن ما تعنيه تلك الحقيقة في قيمومة الإسلام وديمومته هو استنطاق القرآن الكريم وتحكيمه في مناحي الحياة ومناهجها ، الأمر الذي يلزم تحديد المرجعية العلمية للأمة ، وقد حصرها النص ـ والتعبّد به لازم لكلّ مسلم ـ بثلة طاهرة ، وجعلها قريناً للقرآن وحليفاً له وسمّاهما ثقلين هاديين إلى الحق ، عاصمين من الضلالة ، مع بقائهما عمر الدنيا وعدم افتراقهما حتىٰ يردا على النبي صلىاللهعليهوآله الحوض يوم القيامة.
ومَن يكون قرين القرآن فمنهجه في بناء الإنسان أحقُّ بأن يُتَّبع ، وأولىٰ بالعناية ، وأجدر بالتطبيق ، وإلّا فلن يكون استنطاق القرآن وإهمال نظيره كافياً في طرح المنهج التربوي البديل عن المناهج المستوردة السائدة في مجتمعنا المسلم !
ومن هنا انطلق الكتاب الماثل بين يدي القراء لتوضيح معالم هذا المنهج الربّاني الذي لم يبتنِ علىٰ أساس مرحلي مؤقت ليسدل التاريخ عليه ستاره بعد حين ، وإنما جاء إلينا على أساس كونه الحقيقة الربّانية الصالحة لجميع العصورٍ ، والامتداد الطبيعي لرسالة السماء. مـسـلطاً بذلك الضوء علىٰ ملامحه الأساسية ، ممهداً الطريق إلىٰ دراسات علمية تربوية أوسع في غمار هذا المنهج.. والله الهادي إلىٰ سواء السبيل.
مركز الرسالة