تقول الآية : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) لأن ايماني بالله أقوى من ايمانكم جميعا ، ومعرفتي به أكبر ، وعليه فيجب أن أعظّم ولده وأطيعه قبلكم.
وبالرغم من أنّ مضمون هذه الآية بدا معقدا لجماعة من المفسّرين ، فذكروا توجيهات مختلفة له كان بعضها عجيبا جدّا (١) ، لكن لا يوجد في الواقع أي تعقيد في محتوى الآية ، وهذا الأسلوب الرائع يستعمل مع الأفراد العنودين المتعصبين ، كما لو قال شخص : إنّ فلانا أعلم من الجميع ، في حين أنّه لا يعلم شيئا ، فيقال له : إذا كان هو الأعلم فأنا أوّل من يتبعه ، وذلك ليبذل القائل جهده في البحث عن دليل يدعم به مدعاه ، وعند ما يصطدم بصخرة الواقع يستيقظ من غفلته.
غاية ما في الأمر أنّ هناك نكتتين يجب الالتفات إليهما :
الأولى : أنّ العبادة لا تعني العبادة في كل الموارد ، فقد تأتي أحيانا بمعنى الطاعة والتعظيم والاحترام ، وهي هنا بهذا المعنى ، فعلى فرض أن لله ولدا ـ وهو فرض محال ـ فلا دليل على عبادته ، لكنّه لما كان ـ طبقا لهذا الفرض ـ ابن الله فيجب أن يكون مورد احترام وتقدير وطاعة.
والأخرى : أنّ (لو) تستعمل بدل (أن) في مثل هذه الموارد عادة في أدب العرب ، وهي تدل على كون الشيء مستحيلا ، وإنّما لم تستعمل في الآية ـ مورد البحث ـ مماشاة وانسجاما في الكلام مع الطرف المقابل.
وعلى هذا ، فإنّ النّبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لو كان لله ولد لبادرت قبلكم إلى احترامه وتعظيمه ، ليطمئن هؤلاء من استحالة أن يكون لله ولد.
بعد هذا الكلام ذكرت الآية دليلا واضحا على نفي هذه الادعاءات ، فقالت :
__________________
(١) فمثلا : إنّ بعض المفسّرين قد فسّر (إن) هنا بمعنى النفي ، و (أنا أول العابدين) بمعنى أول من عبد الله ، وعلى هذا التّفسير فإن معنى الآية يصبح : لا ولد لله أبدا ، وأنا أوّل من عبد لله! وفسر البعض الآخر (العابدين) بالذي يأبى العبادة ، وعلى هذا يكون المعنى : إنّ كان لله ولد فإني سوف لا أعبد مثل هذا الرب أبدا ، لأنه بأبوته لا يمكن أن يكون ربا. وواضح أن مثل هذه التفاسير لا تنسجم مع ظاهر الآية بأي وجه من الوجوه.