وتواصل الآيتان التاليتان البحث حول مسألة التوحيد ، وهما تشكلان نتيجة للآيات السابقة من جهة ، ومن جهة أخرى دليلا لتكملتها وإثباتها. وفيهما سبع من صفات الله سبحانه ، ولجميعها أثر في تحكيم وتقوية مباني التوحيد.
فتقف الآية الأولى بوجه المشركين الذين كانوا يعتقدون بانفصال إله السماء عن إله الأرض ، بل ابتدعوا للبحر إلها ، وللصحراء إلها وآخر للحرب ، ورابعا للصلح والسلم ، وآلهة مختلفة ومتعددة بتعدد الموجودات ، فتقول : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) لأنّ كونه إلها في السماء والأرض يثبت كونه ربّا ومعبودا فيهما ـ وقد مرّ ذلك في الآيات السابقة ـ لأنّ المعبود الحقيقي هو ربّ العالم ومدبره ، لا الأرباب المختلفة ، ولا الملائكة ، ولا المسيح ولا الأصنام ، فكلها ليست أهلا لأن تكون أربابا وآلهة ، إذ ليس لها مقام الربوبية ، فكلها مخلوقة في أنفسها ومربوبة ، وتتمتع بأرزاق الله ، وكلها تعبده سبحانه.
وتقول في الصفتين الثّانية والثّالثة (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) فكل أعماله تقوم على أساس الدقّة والحساب والنظم ، وهو عليم بكل شيء ومحيط به ، وبذلك فإنّه يعلم أعمال العباد جيدا ، ويجازيهم عليها طبقا لحكمته.
وتتحدث الآية الثانية في الصفتين الرابعة والخامسة ، بركات وجوده الدائمة الوفيرة ، وعن امتلاكه السماء والأرض وما بينهما ، فتقول : (تَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما).
«تبارك» من مادة بركة ، وتعني امتلاك النعمة الوفيرة ، أو الثبات والبقاء ، أو كليهما ، وكلاهما يصدقان في شأن الله تعالى ، فإنّ وجوده باق وخالد ، وهو مصدر النعم الكثيرة.
وليس للخير الكثير كمال المعنى إذا لم يكن ثابتا وباقيا ، فإنّ الخيرات مهما كانت كثيرة ، فهي تعد قليلة إذا كانت مؤقتة وسريعة الزوال.
وتضيف في الصفتين السّادسة والسّابعة : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)