فقالت : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) وهم الذين أسلموا لوحدانية الله سبحانه في جميع المراحل ، وأذعنوا لها. نعم ، هؤلاء هم الذين يشفعون بإذن الله تعالى.
لكن ليس الأمر كما تتوهمون أنّهم يشفعون لأي كان ، حتى وإن كان وثنيا ومشركا ومنحرفا عن طريق التوحيد وضالا عن الصراط المستقيم ، بل (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) جيدا لمن يشفعون.
وعلى هذا فإنّهم يقطعون الأمل من شفاعة الملائكة لسببين :
الأوّل : أنّها كانت بنفسها تقرّ بوحدانية الله وتشهد بها ، ولذلك حصلت على إذن الشفاعة.
والآخر : أنهم يعرفون جيدا من له أهلية الشفاعة ومستحقها (١).
واعتبر البعض جملة (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) مكملة لجملة (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) وعلى هذا يصبح معنى الآية : إنّ الذين يشهدون بالتوحيد ويعلمون حقيقته هم الذين يملكون حق الشفاعة فقط. إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب.
وعلى أية حال ، فإن هذه الآية تبيّن الشرط الأساس الذي ينبغي توفره في الشفاعة عند الله تعالى ، وهم الشاهدون بالحق ، والعالمون به على الدوام والمحيطون بروح التوحيد جيدا ، وهم كذلك عالمون بأحوال المشفوع لهم وأوضاعهم.
ثمّ تدين المشركين من أفواههم ، وتجيبهم جوابا قاطعا ، فتقول : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ).
لقد قلنا مرارا إن من النادر أن يوجد من بين مشركي العرب وغيرهم من يعتقد أن الأصنام هي الخالقة لهم ، فإنّ الأعم الأغلب منهم يعتبرون الأصنام وسائط
__________________
(١) طبقا لهذا التّفسير فإن استثناء (إلّا من شهد بالحق) استثناء متصل ، لكنه يصبح منقطعا فيما إذا كان المراد من جملة (الذين يدعون من دونه الشفاعة) خصوص الأصنام. لكن يبدو أن المعنى الأوّل هو الأنسب ، خاصة بملاحظة (الذين) وهي للعاقل ، أو التغليب من العاقل وغير العاقل.