تارة أخرى ، ويشغلون أنفسهم كل يوم بأسلوب لعب جديد.
«يلعبون» من مادة اللعاب ـ على قول الراغب ـ وهو البزاق السائل ، ولما لم يكن للإنسان هدف مهم من اللعب ، فقد شبه بالبزاق الذي يبصقه الفرد لا إراديا.
ومهما كان ، فإن الحقيقة هي أن التعامل الجدي مع المسائل يعين الإنسان في معرفة الحقائق ، أمّا التعامل الهازل الفارغ فإنّه يلقي الحجب عليها ويمنعه من الوصول إليها.
ثمّ انتقلت الآية التالية إلى تهديد هؤلاء المنكرين المعاندين المتعصبين ، في الوقت الذي وجهت الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ).
عند ذلك سيعم الخوف والاضطراب كل وجودهم ، وتزول الحجب من أمام أعينهم ، فيقفون على خطئهم الكبير ، ويتجهون إلى الله تعالى بالقول : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ).
إلّا أنّ الله عزوجل يرفض طلب هؤلاء ويقول : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) رسول كان واضحا في نفسه وتعليماته وبرامجه وآياته ومعجزاته ، ومبينا لها جميعا.
غير أنّ هؤلاء بدل أن يذعنوا له ، ويؤمنوا بالله الواحد الأحد ، ويتقبلوا أوامره بكل وجودهم ، أعرضوا عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ).
فكانوا يقولون تارة : إنّ غلاما روميا سمع قصص الأنبياء وأخبارهم يعلمه إياها ، وهذه الآيات من اختراعه وإملائه على النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (١)
ويقولون تارة أخرى : إنّه مصاب بالاختلال الفكري والعقلي ، وهذه الكلمات وليدة فقدانه التوازن الفكري.
__________________
(١) النحل ، الآية ١٠٣.