جانب آخر ثبات المحبين والمؤمنين واستقامتهم ، لأنّهم يعلمون أن إمامهم وقائدهم يقاوم حتى اللحظات الأخيرة.
وربّما كان التأكيد على مسألة الرجم من جهة أن كثيرا من رسل الله قبل موسى عليهالسلام قد هددوا بالرجم ، ومن جملتهم نوح عليهالسلام (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) (١)
وكذلك الحال بالنسبة إلى إبراهيم عليهالسلام لما هدده آزر وقال له : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) (٢) ، وشعيب لما هدده الوثنيون قالوا له : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) (٣)
أمّا اختيار الرجم من بين أنواع القتل ، فلأنّه أشدّها جميعا. وعلى قول بعض أرباب اللغة فإن هذه الكلمة جاءت بمعنى مطلق القتل أيضا. (٤)
واحتمل كثير من المفسّرين أن يكون الرجم بمعنى الاتهام وإساءة الكلام ، لأن هذه الكلمة قد استعملت في هذا المعنى أيضا. وكانت هذه الاستعاذة في الحقيقة مانعا من تأثير التهم التي اتهموا بها موسى فيما بعد.
ويمكن أن تكون هذه الكلمة قد استعملت في معناها الواسع الذي يشمل كلا المعنيين.
وتخاطب الآية الأخيرة هؤلاء القوم فتقول : (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) لأن موسى عليهالسلام كان واثقا من نفوذه بين أوساط الناس ، ومختلف طبقاتهم ، بامتلاكه تلك المعجزات الباهرات ، والأدلة القوية ، والسلطان المبين ، وأن ثورته ستؤتي أكلها بعد حين ، ولذلك كان يرضى من هؤلاء القوم أن يتنحوا عن طريقه ولا يكونوا حاجزا بينه وبين الناس.
لكن ، هل يمكن أن يهدأ هؤلاء الجبابرة المغرورون وهم يرون الخطر يهدد
__________________
(١) الشعراء ، الآية ١١٦.
(٢) مريم ، الآية ٤٦.
(٣) هود ، الآية ٩١.
(٤) لسان العرب ، ماده رجم.