خمسة نماذج من مواهب الله العظيمة وتثير فيهم حسّ الشكر ، تتطرّق إلى إبطال اعتقادهم الخرافي فيما يتعلق بالأصنام ومختلف أنواع الشرك.
يقول سبحانه في القسم الأوّل : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).
إنّ هذا التعبير الذي ورد بتفاوت يسير في أربع آيات من القرآن الكريم ـ العنكبوت ، لقمان ، الزمر والزخرف في الآية التي نبحثها (١) ـ دليل على كون معرفة الله سبحانه أمر فطري مغروس في طينة البشر وطبيعتهم من جانب. ومن جانب آخر يدلّ على أنّ المشركين كانوا مقرّين بأن خالق السماوات والأرض هو الله سبحانه ، ولم يكونوا يعترفون بأنّ معبوداتهم خالقة إلّا في موارد نادرة.
ومن جانب ثالث فإنّ هذا الاعتراف أساس ودعامة لإبطال عبوديّة الأصنام ، لأنّ الذي يكون أهلا للعبادة هو خالق الكون ومدبّره ، لا الموجودات التي لا حظّ لها في هذا المجال ، وبناء على هذا ، فإنّ اعترافهم بكون الله سبحانه خالقا كان دليلا قاطعا على بطلان مذهبهم ودينهم الفاسد.
والتعبير بالعزيز الحكيم والذي يبيّن قدرة الله المطلقة ، وعلمه وحكمته ، وإن كان تعبيرا قرآنيّا ، إلّا أنّه لم يكن أمرا ينكره المشركون ، لأنّ لازم الاعتراف بكون الله سبحانه خالقا للسماء والأرض وجود هاتين الصفتين فيه. وهؤلاء المشركين كانوا يعتقدون بعلم أصنامهم وقدرتها ، فكيف بالله الذي يعتقدون أنّ أصنامهم وسيلة إليه ، وتقربّهم إليه زلفى؟!
ثمّ يشير سبحانه إلى خمس نعم من نعم الله العظيمة ، والتي تعتبر كلّ منها نموذجا من نظام الخلقة ، وآية من آيات الله سبحانه ، فيقول أولا : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
__________________
(١) جاء في موضعين آخرين من القرآن اعتراف هؤلاء بكون الله خالقا ، غايته أن أحدهما في شأن نزول المطر من السماء (العنكبوت ـ ٦٣) والآخر في كون الله سبحانه خالقهم (الزخرف ـ ٨٧).