الهداية لأمر التوحيد ومعرفة الله. ولا مانع من جمع هذين المعنيين.
وذكرت الموهبة الثالثة ـ وهي موهبة نزول المطر ، وإحياء الأراضي الميّتة ـ في الآية التالية : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) من قبوركم يوم البعث.
إنّ التعبير بكلمة «قدر» إشارة لطيفة إلى النظام الخاص الذي يحكم نزول الأمطار ، حيث أنّها تنزّل بمقدار كاف يكون مفيدا ومثمرا ، ولا يؤدّي إلى الخسارة والإتلاف.
صحيح أنّه قد يؤدّي بعض الأحيان إلى حدوث فيضانات ، وجريان سيول ، وتدمير الأراضي ، إلّا أنّ هذه الحالات استثنائيّة ، ولها صبغة التحذير ، فالأعمّ الأغلب من الأمطار مفيدة ومربحة ، فنموّ كلّ الأشجار والنباتات والأزهار والمزارع المثمرة ، من بركة نزول المطر الموزون هذا ، ولو لم يكن لنزول المطر نظام ، لما حصلت كلّ هذه البركات.
الآية الثانية تستخدم جملة «أنشرنا» ـ من مادّة النشور ـ لتجسيد انبعاث عالم النباتات ، فإنّ الأراضي اليابسة التي تضمّ بدور النباتات كما تضمّ القبور أجساد الموتى ، تتحرك وتحيا بنفخة صور نزول المطر ، وتهتزّ فتخرج أموات النبات رؤوسها من التراب ، ويقوم محشرها وتقع قيامتها التي تمثل صورة لقيامة البشر ، والتي أشير إليها في نهاية هذه الآية وفي آيات عديدة أخرى من القرآن المجيد.
وبعد ذكر نزول المطر وحياة النباتات ، يشير في المرحلة الرّابعة إلى خلق أنواع الحيوانات ، فيقول سبحانه : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها).
إنّ التعبير بـ «الأزواج» كناية عن أنواع الحيوانات بقرينة ذكر النباتات في الآية السابقة ، بالرغم من أنّ البعض اعتبرها إشارة إلى كلّ أنواع الموجودات ، سواء الحيوان والنبات والجماد ، لأنّ قانون الزوجيّة يحكمها جميعا ، فلكلّ جنس ما يخالفه : السماء والأرض ، الليل والنهار ، النور والظلام ، المرّ والحلو ، اليابس