المبدأ.
والجدير بالانتباه أنّ هذا التعبير قد ورد في آيتين أخريين من آيات القرآن الأخرى ، فنقرأ في الآية (٢٩) من سورة الأنعام : (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).
وجاء في الآية (٣٧) من سورة المؤمنون : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).
إلّا أنّ التأكيد في الآيتين على إنكار المعاد وحسب ، ولم يرد إنكار المبدأ والمعاد معا إلّا في هذه الآية مورد البحث.
ومن الواضح أنّ هؤلاء إنّما كانوا يؤكدون على المعاد أكثر من المبدأ لخوفهم واضطرابهم منه الذي قد يغير مسير حياتهم المليئة بالشهوات والخاضعة لها.
وقد ذكر المفسّرون عدّة تفاسير لجملة (نَمُوتُ وَنَحْيا) :
الأوّل : وهو ما ذكرناه ، بأنّ الكبار يغادرون الحياة ليحل محلهم المواليد.
الثّاني : أنّ الجملة من قبيل التأخير والتقديم ، ومعناها : إنّنا نحيا ثمّ نموت ، ولا شيء غير هذه الحياة والموت.
الثّالث : أنّ البعض يموتون ويبقى البعض الآخر ، وإن كان الجميع سوف يموتون في النهاية.
الرّابع : أننا كنا في البداية أموات لا روح فينا ، ثمّ منحنا الحياة ودبت فينا.
غير أنّ التّفسير الأوّل هو أنسب الجميع وأفضلها.
وعلى أية حال ، فإنّ جماعة من الماديين في العصور الخالية كانوا يعتقدون أنّ الدهر هو الفاعل أو الزمان في هذا العالم ـ أو بتعبير جماعة آخرين : إنّ الفاعل هو دوران الأفلاك وأوضاع الكواكب ـ وكانوا ينهون سلسلة الحوادث إلى الأفلاك ، ويعتقدون أنّ كلّ ما يقع في هذا العالم بسببها (١) ، حتى أنّ جماعة من فلاسفة
__________________
(١) احتمل البعض احتمالا خامسا في تفسير هذه الجملة ، وهو أنّها إلى عقيدة التناسخ التي كان يعتقد بها جمع من