ثمّ يضيف مهددا : (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) (١) وسيعاقبكم في الوقت اللازم.
نعم ، إنّه يعلم كلّ ما رميتموني به من التهم ، وأنّكم وقفتم بوجه رسوله ، وكنتم تصدون الناس عن الإيمان بالحق بنفثكم السموم بينهم.
ثمّ يقول في الجملة التالية كتأكيد أكبر مقترن بتعامل مؤدب جدّا : (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فهو يعلم صدق دعوتي ، وسعيي وجهدي في إبلاغ الرسالة ، كما يعلم كذبكم وافتراءكم والعوائق التي تضعونها في طريقي ، وهذا كاف لي ولكم.
ومن أجل أن يدلهم على طريق الرجوع إلى الحق ، ويعلمهم بأنّه مفتوح إن أرادوا العودة ، يقول : (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فهو يعفو عن التائبين ويغفر لهم ، ويدخلهم في رحمته.
ويضيف في الآية التالية : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ).
إنّ هذه الجمل الوجيزة الغنية المحتوى تجيب عن كثير من إشكالات المشركين ، ومن جملتها أنّهم كانوا يتعجبون أحيانا ـ في مسألة بعثة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ كيف يمكن أن يتصل إنسان بالله ويرتبط به؟
وأحيانا كانوا يقولون : لماذا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟
وتارة كانوا يطلبون معاجز عجيبة غريبة ، وكان كلّ منهم يتمنى شيئا.
وكانوا يظنون أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مستودع لعلم الغيب ، فيطلبون منه أن يخبرهم بكلّ حوادث المستقبل.
وأخيرا فإنّهم كانوا يعجبون أحيانا من دعوته لنبذ الآلهة والتوجّه إلى عبادة الله
__________________
(١) «ما» في جملة (ما تفيضون فيه) يمكن أن تكون موصولة ، وتعني التهم غير الصحيحة ، والتي كان يعلمها النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وبناء على هذا فإنّ ضمير (فيه) يعود إليها. وإن كانت مصدرية فإنّ الضمير (فيه) يعود إلى القرآن أو إلى الحق ، وهنا تكون (تفيضون) بمعنى الدخول في عمل ما بقصد الإفساد والتخريب.