سبقنا إليه غفار الحلفاء ، فنزلت هذه الآية وأجابتهم.
٢ ـ كانت في مكّة جارية رومية يقال لها «زنيرة» (١) ، لبت دعوة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الإسلام ، فقال زعماء قريش : لو كان ما جاء به محمّد خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة.
٣ ـ إنّ جماعة من قبائل البوادي أسلموا قبل سكان مكّة ، فقال أشراف مكّة : لو كان الإسلام خيرا ما سبقتنا إليه رعاة الإبل.
٤ ـ إنّ جماعة من الرجال الطاهرين والفقراء كبلال وصهيب وعمار ، قد اعتنقوا الإسلام ، فقال زعماء مكّة : أيمكن أن يكون دين محمّد خيرا ويسبقنا إليه هؤلاء؟
٥ ـ إنّ عبد الله بن سلام وجماعة من أصحابه لما آمنوا ، قال جماعة من اليهود : لو كان دين محمّد خيرا ما سبقونا إليه (٢).
ويمكن تلخيص أسباب النّزول الأربعة الأولى بالقول بأنّ الإسلام لاقى ترحيبا واسعا وامتدادا سريعا بين الطبقات الفقيرة وسكان البوادي ، وذلك لأنّهم لم يكونوا يمتلكون منافع غير مشروعة لتهدد بالخطر ، ولم يكن الغرور قد ركبهم وملأ عقولهم ، وقلوبهم أطهر من قلوب المترفين ومتبعي الشهوات والرغبات.
لقد عدّ الإقبال الواسع على الإسلام من قبل هذه الفئة ، والذي كان يشكل أقوى نقاط هذا الدين ، نقطة ضعف كبيرة من قبل المستكبرين فقالوا : أي دين هذا الذي يتبعه سكان البوادي والفقراء والحفاة والجواري والعبيد؟ إذا كان دينا مقبولا ومعقولا فلا ينبغي أن يكون أتباعه من طبقة فقيرة واطئة اجتماعيا ، ونتخلف نحن أعيان المجتمع وأشرافه عن اتباعه.
والطريف أنّ نمط التفكير المنحرف هذا من أكثر أنماط التفكير رواجا اليوم بين الأثرياء والمترفين فيما يتعلّق بالدين ، حيث يقولون : إنّ الدين ينفع الفقراء والحفاة ، وكلّ منهما ينفع صاحبه وينسجم معه ، ونحن في مستوى أسمى منه
__________________
(١) كانت «زنيّرة» بكسر الزاي وتشديد النون من السابقات إلى الإسلام ، ولذلك كان أبو جهل يؤذيها ويعذبها.
(٢) تفسير القرطبي ، المجلد ٩ ، صفحة ٦٠٠٩.