وشكر جهودهم وأتعابهم التي بذلوها ، والذي يعتبر مقدمة لشكر الله سبحانه ، فتقول : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) (١).
«الوصية» و «التوصية» بمعنى مطلق الوصية ، ولا ينحصر معناها بالوصايا بما بعد الموت ، ولذلك فسّرها جماعة هنا بأنّها الأمر والتشريع.
ثمّ تطرّقت إلى سبب وجوب معرفة حقّ الأمّ ، فقالت : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) تضحي خلالها الأم أعظم التضحيات ، وتؤثر ولدها على نفسها أيّما إيثار.
إنّ حالة الأم تختلف منذ الأيّام الأولى لانعقاد النطفة ، فتتوالى عليها الصعوبات ، وهناك حالة تسمى حالة (الوحام) هي أصعب الحالات التي تواجهها الأم ، ويقول الأطباء عنها : إنّها تنشأ نتيجة قلّة المواد التي تحدث في جسم الأم نتيجة إيثارها ولدها على نفسها.
وكلما تكامل نمو الجنين امتص موادا أكثر من عصارة روح الأم وجسدها ، تترك أثرها على عظامها وأعصابها ، فيسلبها أحيانا نومها وغذاءها وراحتها وهدوأها ، أمّا في آخر فترة الحمل فيصعب عليها حتى المشي والجلوس والقيام ، إلّا أنّها تتحمل كلّ هذه المصاعب بصبر ورحابة صدر وعشق للوليد الذي سيفتح عينيه على الدنيا عمّا قريب ، ويبتسم بوجه أمّه.
وتحل فترة وضع الحمل ، وهي من أعسر لحظات حياة الأم ، حتى أنّ الأم أحيانا تبذل نفسها وحياتها من أجل سلامة الوليد.
على كلّ حال ، تضع الأم حملها الثقيل لتبدأ مرحلة صعبة أخرى ، مرحلة مراقبة الطفل المستمرة ليل نهار ... مرحلة يجب أن تلبى فيها كلّ احتياجات الطفل الذي
__________________
(١) «التوصية» تتعدى عادة بمفعولين ، غايته أنّ المفعول الثّاني يقترن بالباء أو (الى) ، وبناء على هذا فإنّ (إحسانا) لا يمكن أن تكون المفعول الثّاني في الجملة ، إلّا أن نعتبر (وصينا) بمعنى (ألزمنا) التي تتعدى بمفعولين دون حاجة إلى حرف جر ، أو أن نقول : إنّ في الآية محذوفا ، نقدره : ووصينا الإنسان بأن يحسن بوالديه إحسانا ، ففي هذه الحالة تكون (إحسانا) مفعولا مطلقا لفعل محذوف.