العاقل المؤمن إذا بلغ سن الأربعين ، يطلب من ربّه ثلاث طلبات ، فيقول أولا : (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) (١).
إنّ هذا التعبير يوحي بأنّ الإنسان يدرك في هذه السن عمق نعم الله سبحانه وسعتها ، وكذلك يدرك ما تحمله أبواه من الجهود المضنية حتى بلغ هذا المقدار من العمر ، وذلك لأنّه غالبا ما يصبح في هذا العمر أبا إن كان ذكرا ، وأمّا إن كانت أنثى ، ويرى بأم عينه كلّ تلك الجهود التي بذلت من أجله ، ومدى الإيثار الذي آثره أبواه في سبيله ، وشكرا لسعيهما يتوجّه لا إراديا لشكر الله سبحانه.
أمّا طلبه الثّاني فهو : (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ).
وأخيرا يقدم طلبه الأخير فيقول : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي).
إنّ التعبير بـ (لي) يشير ضمنية إشارة إلى أنّه يرجو أن يكون أولاده في وضع من الصلاح والخير بحيث تعود نتائجه وحسناته عليه.
والتعبير بـ (في ذريتي) بصورة مطلقة ، يشير الى استمرار الخير والصلاح في كلّ نسله وذريته.
والطريف أنّه يشرك أبويه في دعائه الأوّل ، وأولاده في الدعاء الثالث ، أمّا الدعاء الثّاني فيخص نفسه به ، وهكذا يكون الإنسان الصالح ، فإنّه إذا نظر إلى نفسه بعين ، ينظر بالأخرى إلى الآخرين الذين تفضلوا عليه ولهم حق في رقبته.
وتبيّن الآية في نهايتها مطلبين ، كلّ منهما تبيان لبرنامج عملي مؤثر ، فتقول : (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) فقد بلغت مرحلة يجب أن أعين فيها مسير حياتي ، وأسير في ذلك الخط ما حييت.
نعم ، لقد بلغت الأربعين ، ويقبح بعبد مثلي أن يأتيك ولم يغسل نفسه بماء التوبة ، ولم يطهرها بالعودة إلى طريق ربّه ويقرع باب رحمته.
والآخر : (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
__________________
(١) «أوزعني» من مادة (الإيزاع) التي وردت بعدّة معان : الإلهام ، والمنع من الانحراف ، وإيجاد العشق والمحبة ، والتوفيق.