لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) (١).
إلّا أنّ أبويه المؤمنين لم يستسلما أمام هذا الولد العاق الضال ، فتقول الآية : (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) غير أنّه يأبى إلّا أن يسير في طريق الضلالة والعناد الذي اختطه لنفسه ، ولذلك نراه يجيبهما بكلّ تكبر وغرور ولا مبالاة : (فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، فما تقولانه عن المعاد والحساب ليس إلّا خرافات وقصص كاذبة أتتكم من الماضين من قبلكم ، ولست بالذي يعتقد بها وينقاد لها.
إنّ الصفات التي يمكن أن تستخرج من هذه الآية حول هذه الفئة من الأبناء الضالين عدّة صفات : عدم احترام منزلة الأبوين ، والإساءة لهما ، لأنّ (أف) في الأصل تعني كلّ شيء قذر ، وهي تقال في مقام التحقير والإهانة (٢).
وقال البعض : إنّها تعني الأقذار التي تجتمع تحت الأظافر ، وهي قذرة ملوثة ، ولا قيمة لها (٣).
والصفة الأخرى هي أنّهم مضافا إلى عدم إيمانهم بيوم القيامة والبعث والجزاء ، فإنّهم يسخرون منه ويستهزئون به ، ويعدونه من الأساطير والأوهام الخرافية الباطلة.
والصفة الأخرى أنّهم لا أذن سامعة لهم ، ولا يذعنون للحق ، وقد امتلأت نفوسهم بروح الغرور والكبر والأنانية.
نعم ، فبالرغم من أن الأبوين الحريصين يبذلان قصارى جهودهما ، وكلّ ما في
__________________
(١) «والذي قال» مبتدأ ، وخبره ـ باعتقاد كثير من المفسّرين ـ (أولئك الذين) .. الذي ورد في الآية التالية ، ولا منافاة بين كون المبتدأ مفردا والخبر ـ أولئك ـ جمعا ، لأنّ المراد منه الجنس. لكن يحتمل أيضا أن يكون خبره محذوفا ، وتقديره الكلام : «وفي مقابل الذين مضى وصفهم الذي قال لوالديه» وفي هذه الحالة تكون الآية التالية مستقلة ، كما أن آية : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ ...) مستقلة.
(٢) مفردات الراغب.
(٣) أوردنا بحوثا أخرى حول معنى (أف) في سورة الإسراء الآية ٢٣.