امْتَلَأْتِ) فتقول : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (١).
والحق أنّ حقيقة العرض هي رفع الموانع بين شيئين حتى يتقابلا ويكونا وجها لوجه ، وكذا الحال بالنسبة إلى الكافرين والنّار ، فإنّ الحواجز ترفع من بينهما ، فيمكن القول في هذه الصورة : إنّ الكافرين يعرضون على النّار ، كما تعرض عليهم ، وكلا التعبيرين صحيح.
وعلى أية حال ، فلا حاجة لأن نعتبر العرض بمعنى الدخول في النّار كما ذكره «الطبرسي» في مجمع البيان ، بل إنّ هذا العرض بحدّ ذاته نوع من العذاب الأليم المرعب ، حيث يرى الكافرون بأعينهم كلّ أقسام جهنّم من الخارج قبل أن يردوها ، وليشاهدوا مصيرهم المشؤوم ويتعذّبوا ويتألموا له.
٢ ـ إنّ جملة : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ) تعني التمتع بلذائذ الدنيا ، والتعبير بـ «أذهبتم» لأنّ هذه اللذائذ والنعم تفنى بالتمتع بها واستهلاكها.
ومن المسلّم أنّ التمتع بمواهب الله ونعمه في هذه الدنيا ليس أمرا مذموما قبيحا ، بل المذموم هو الغرق في اللذات المادية ، ونسيان ذكر الله والقيامة ، أو التمتع بها بصورة غير مشروعة والتلوث بالمعاصي عن طريقها ، وغصب حقوق الآخرين فيما يتعلق بها.
وممّا يلفت الانتباه أنّ هذا التعبير لم يرد إلّا في هذه الآية من القرآن الكريم ، وهو إشارة إلى أنّ الإنسان يعزب أحيانا عن لذات الدنيا ويعرض عنها ، أو أنّه لا يأخذ منها إلّا ما يقوّم به صلبه ، ويتقوّى به على القيام بالواجبات الإلهية ، وكأنّه في هذه الصورة قد ادخر هذه الطيبات لآخرته.
غير أنّ الكثيرين يتكالبون على هذه التمتعات الدنيوية كالحيوانات ولا يحدّهم شيء في الالتذاذ بهذه الطيبات وافنائها جميعا ، ولا يكتفون بعدم ادخار شيء لآخرتهم ، بل يحملون معهم أحمالا من الأوزار ، ولهؤلاء يقول القرآن : (أَذْهَبْتُمْ
__________________
(١) سورة ق ، الآية ٣٠.