كذّبه قومه بهذا الادعاء الواهي وهو أنّك إن كنت صادقا فيما تقول فأين عذابك الموعود؟
والآن ، وقد تمّت الحجة بالقدر الكافي ، وأظهر أولئك عدم أهليتهم للبقاء ، وعدم استحقاقهم للحياة ، فإنّ حكمة الله سبحانه توجب أن يرسل عليهم «عذاب الاستئصال» ، ذلك العذاب الذي يجتث كلّ شيء ولا يبقي ولا يذر.
وفجأة رأوا سحابا قد ظهر في الأفق ، واتسع بسرعة : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) (١).
قال المفسّرون : إنّ المطر انقطع مدّة عن قوم عاد ، وأصبح الهواء حارا جافا خانقا ، فلمّا وقع بصر قوم عاد على السحب المظلمة الواسعة في الأفق البعيد ، وهي تتجه صوبهم فرحوا لذلك جدّا وهبّوا لاستقبالها ، وجاؤوا إلى جوانب الوديان والسهول ومجاري السيول والمياه. ليروا منظر نزول المطر المبارك ليحيوا من جديد ، وتسر بذلك نفوسهم.
لكن ، قيل لهم سريعا بأنّ هذا ليس سحابا ممطرا : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ).
والظاهر أنّ المتكلم بهذا الكلام هو الله سبحانه ، أو أنّ هودا لمّا سمع صرخات فرحهم واستبشارهم قال لهم ذلك.
نعم ، إنّها ريح مدمّرة : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها).
قال بعض المفسّرين : إنّ المراد من (كُلَّ شَيْءٍ) البشر ودوابهم وأموالهم ، لأنّ الجملة التالية تقول : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) وهذا يوحي بأنّ مساكنهم كانت سالمة ، أمّا هم فقد هلكوا ، وألقت الرياح القوية أجسادهم في الصحاري البعيدة ، أو في البحر.
__________________
(١) «عارض» من مادة (عرض) ، وهنا بمعنى السحاب الذي ينتشر في عرض السماء ، وربّما كان هذا أحد علامات السحب الممطرة بأنّها تتسع في ذلك الأفق ثمّ تصعد. و «الأودية» جمع واد ، وهو المنخفض ومجرى السيول والمياه.