وآخر صفة أنّه يهدي إلى الرشد : (وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ).
إنّ التفاوت بين الدعوة إلى الحق والى الصراط المستقيم ، يكمن ظاهرا في أنّ الأوّل إشارة إلى العقائد الحقة ، والثّاني إلى البرامج العملية المستقيمة الصحيحة.
وجملة : (أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) وجملة : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) تؤيدان أنّ هذه الطائفة كانوا مؤمنين بالكتب السماوية السابقة ، وخاصة كتاب موسى عليهالسلام ، وكانوا يبحثون عن الحق.
وإذا رأينا أنّ الكلام لم يرد عن كتاب عيسى الذي أنزل بعد موسى عليهالسلام ، فليس ذلك بسبب ما روي عن ابن عباس من أنّ الجن لم يكونوا مطلعين على نزول الإنجيل مطلقا ، إذ أنّ الجن كانوا مطلعين على أخبار السماوات وعالمين بها ، فكيف يمكن أن يغفلوا عن أخبار الأرض إلى هذا الحد؟ بل بسبب أنّ التوراة كانت هي الكتاب الأساسي ، فحتى المسيحيون كانوا قد أخذوا ويأخذون أحكام شريعتهم عنها.
ثمّ أضافوا : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ) إذ ستمنحون حينها مكافأتين عظيمتين : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (١).
المراد من : (داعِيَ اللهِ) نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي كان يرشدهم إلى الله سبحانه ، ولما كان أغلب خوف الإنسان واضطرابه من الذنوب وعذاب القيامة الأليم ، فقد ذكروا لهم الأمن تجاه هذين الأمرين ، ليلفت انتباههم قبل كلّ شيء.
واعتبر جمع من المفسّرين كلمة (من) في (من ذنوبكم) زائدة ، ليكون ذلك تأكيدا على غفران جميع الذنوب في ظل الإيمان. في حين اعتبرها البعض تبعيضية ، وأنّها إشارة إلى تلك الذنوب التي اقترفوها قبل إيمانهم ، أو الذنوب التي تتعلق بالله سبحانه ، لا بحق الناس.
غير أنّ الأنسب هو كون (من) زائدة وللتأكيد ، والآية الشريفة تشمل كلّ
__________________
(١) «يجركم» من مادة (إجارة) ، وقد وردت بمعان مختلفة : الإغاثة ، الإنقاذ من العذاب الإيواء ، والحفظ.