كفروا من أهل الكتاب الذين كانوا يذكرون علامات النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل ظهوره ، وذلك استنادا إلى ما ورد في كتبهم السماوية ، وكانوا ينتظرونه على أحر من الجمر ، إلّا أنّهم أعرضوا عنه بعد ظهوره واتضاح هذه العلامات وتحقّقها ، ومنعتهم شهواتهم ومصالحهم من الإيمان به.
بالرغم من ذلك ، فإنّ القرائن الموجودة في الآيات السابقة واللاحقة تبيّن جيدا أنّ هذه الآية تتحدث أيضا عن المنافقين الذين جاؤوا ورأوا بأمّ أعينهم الدلائل الدالّة على حقانية النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وسمعوا آياته ، إلّا أنّهم أدبروا اتباعا لأهوائهم وشهواتهم ، وطاعة لوساوس الشيطان.
«سوّل» من مادة سؤل ـ على وزن قفل ـ وهي الحاجة التي يحرص عليها الإنسان (١) ، و «التسويل» بمعنى الترغيب والتشويق إلى الأمور التي يحرص عليها ، ونسبته إلى الشيطان بسبب الوساوس التي يلقيها في نفس الإنسان ، وتمنع من هدايته.
وجملة (وَأَمْلى لَهُمْ) من مادة «إملاء» ، وهو زرع طول الأمل فيهم ، والآمال البعيدة المدى ، والتي تشغل الإنسان ، فتصدّه عن الحق والهدى.
وتشرح الآية التالية علّة هذا التسويل والتزيين الشيطاني ، فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) وهذا دأب المنافقين في البحث عن العصاة والمخالفين ، وإذا لم يكونوا مشتركين ومتفقين معهم في كلّ المواقف ، فإنّهم يتعاونون معهم على أساس المقدار المتفق عليه من مواقفهم ، بل ويطيعونهم إذا اقتضى الأمر.
بل قد اتجه منافقو المدينة نحو يهود المدينة ـ وهم «بنو النضير» و «بنو قريظة»
__________________
(١) ولذلك فإنّ البعض قد فسّرها بمعنى الأمل ، كما نقرأ ذلك في الآية (٣٦) من سورة طه : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى).