وواضح أنّ هذا النوع تطبيق وبيان مصداق ، وليس حصرا لمعنى الآية.
والآية التالية بمثابة توضيح لهذا التهديد المبهم ، فتقول : (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) (١).
نعم ، إنّ هؤلاء الملائكة مأمورون أن يذيقوا هؤلاء العذاب وهم على أعتاب الموت ليذوقوا وبال الكفر والنفاق والعناد ، وهم يضربون وجوههم لأنّها اتجهت نحو أعداء الله ، ويضربون أدبارهم لأنّهم أدبروا عن آيات الله ونبيّه.
وهذا المعنى نظير ما ورد في الآية (٥٠) من سورة الأنفال حول الكفار والمنافقين : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ).
وتناولت آخر آية من هذه الآيات بيان علّة هذا العذاب الإلهي وهم على إعتاب الموت ، فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ).
لأنّ رضى الله سبحانه هو شرط قبول الأعمال وكلّ سعي وجهد ، وبناء على هذا ، فمن الطبيعي أن تحبط أعمال أولئك الذين يصرون على إغضاب الله عزوجل وإسخاطه ، ويخالفون ما يرتضيه ، ويودعون هذه الدنيا وهم خالو الوفاض ، قد أثقلتهم أوزارهم ، وأرهقتهم ذنوبهم.
إنّ حال هؤلاء القوم يخالف تماما حال المؤمنين الذين تستقبلهم الملائكة بوجوه ضاحكة عند ما يشرفون على الموت ، وتبشّرهم بما أعد الله لهم : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢).
وممّا يلفت النظر أنّ الجملة فعلية في مورد غضب الله تعالى : (ما أَسْخَطَ اللهَ) وهي أسمية في مورد رضاه : (رِضْوانَهُ) ، وقال بعض المفسّرين : إنّ هذا التفاوت
__________________
(١) كيف ، خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : فكيف حالهم ...
(٢) النحل ، الآية ٣٢.