الجهاد ، فتقول : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ).
«اللعب» يقال للأعمال التي تتصف بنوع من الخيال للوصول إلى هدف خيالي ، و «اللهو» يقال لكلّ عمل يشتغل الإنسان به فيصرفه عن المسائل الأساسية.
والحق أنّ الدنيا لعب ولهو ليس إلّا ، فلا يحصل منها أنس وارتياح ، وليس لها دوام وبقاء ، وإنّما هي لحظات كلمح البصر ، ولذات زائلة تحفّها الآلام والمتاعب.
ثمّ تضيف الآية : (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) (١) فلا أنّ الله يسألكم أجرا مقابل الهداية والرشاد وكلّ تلك الهبات العظيمة في الدنيا والآخرة ، ولا رسوله ، فإنّ الله تعالى غني عن العالمين ، ولا يحتاج رسوله إلى غير الله.
وإذا كان الشيء الزهيد من أموالكم يؤخذ كزكاة وخمس وحقوق شرعية أخرى ، فإنّه يعود عليكم ويصرف فيكم ، لحماية يتاماكم ومساكينكم وضعفائكم وأبناء السبيل منكم ، وللدفاع عن أمن بلادكم واستقلالها ، ولاستقرار النظام والأمن ، ولتأمين احتياجاتكم ، وعمران دياركم.
بناء على هذا ، فحتى هذا المقدار اليسير هو من أجلكم ومنفعتكم ، فإنّ الله ورسوله في غنى عنكم ، وبذلك فلا منافاة بين مفهوم هذه الآية وآيات الزكاة والإنفاق وأمثالها.
ثمّة احتمالات أخرى عديدة في تفسير جملة : (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) ولرفع ما يبدو في الظاهر تناقضا :
فقال البعض : إنّه تعالى لا يسألكم شيئا من أموالكم مقابل الهداية والثواب.
وقال آخرون : إنّه تعالى لا يسألكم كلّ أموالكم ، بل يريد قسما منها فقط.
وقال جماعة : إنّ هذه الجملة إشارة إلى أنّ أموال الجميع من الله سبحانه ، وإن كانت ودائع بأيدينا أيّاما قليلة.
__________________
(١) جملة (لا يسألكم) مجزومة ، ومعطوفة على جزاء الجملة الشرطية ، أي : يؤتكم.