لذلك ، فمثلا عبّر القرآن عن إلقاء يوسف في البئر من قبل إخوته ، بالجعل : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) (١)
اتّضح ممّا قلناه أنّ ضمير المفعول في (جعلها) يعود إلى كلمة التوحيد وشهادة (لا إله إلّا الله) ويستفاد هذا من جملة : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) التي تخبر عن مساعي إبراهيم من أجل استمرار خط التوحيد في الأجيال القادمة.
وورد في روايات عديدة من طرق أهل البيت عليهمالسلام اعتبار مرجع الضمير إلى مسألة الإمامة ، وضمير الفاعل يرجع إلى الله طبعا ، أي إنّ الله سبحانه قد جعل مسألة الإمامة مستمرّة في ذريّة إبراهيم عليهالسلام ، كما يستفاد من الآية (١٢٤) من سورة البقرة ، إذ لما قال الله سبحانه لإبراهيم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) طلب إبراهيم عليهالسلام أن يكون أبناؤه أئمّة أيضا ، فاستجاب الله دعاءه ، إلّا في الذين ظلموا وتلوّثوا بالمعصية والجور : (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
إلّا أنّ الإشكال الذي يتبادر لأوّل وهلة هو أنّه لا كلام عن الإمامة في الآية مورد البحث ، اللهمّ إلّا أن تكون جملة (سيهدين) إشارة إلى هذا المعنى ، لأنّ هداية النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والأئمّة عليهمالسلام شعاع من هداية الله المطلقة ، وحقيقة الهداية والإمامة واحدة.
والأفضل من ذلك أن يقال : إنّ مسألة الإمامة مندرجة في كلمة التوحيد ، لأنّ للتوحيد فروعا أحدها التوحيد في الحاكميّة والولاية والقيادة ، ونحن نعلم أنّ الأئمّة يأخذون ولايتهم وزعامتهم من الله سبحانه ، لا أنّهم مستقلّون بأنفسهم ، وبهذا فإنّ هذه الرّوايات تعتبر من قبيل بيان مصداق وفرع من المعنى العام لـ (جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً) ولهذا فإنّه لا منافاة مع التّفسير الذي ذكرناه في البداية.
__________________
(١) يوسف ، الآية ١٥.