الأوّل : كيف أقرّ القرآن استخدام الإنسان وتسخيره من قبل الإنسان؟ ألا يماثل هذا نظام الطبقات الاقتصاديّة ، أي نظام المستثمرين والمستثمرين؟
الثّاني : أنّ الأرزاق والمعايش إذا كانت مقسّمة من قبل الله تعالى ، فأي ثمرة يمكن أن تنتج عن جهودنا ومساعينا؟ ألّا يعني هذا إطفاء مشاعل السعي ومصابيح الجهاد من أجل الحياة؟
إنّ الإباحة على هذه الأسئلة تتّضح بالتدقيق في متن الآية ، لأنّ هؤلاء يتصورون أنّ معنى الآية هو أنّ جماعة معيّنة من البشر تسخر جماعة أخرى لأنفسها تسخيرا ظالما يمتصّ الدماء والجهود ، في حين أن الأمر ليس كذلك ، بل هو استخدام الناس بعضهم بعضا ، أي أنّ كل جماعة من الناس لهم إمكانيّات واستعدادات خاصّة يستطيعون العمل بواسطتها في مجال ما من شؤون الحياة ، وهم بطبيعة الحال يقدمون خدماتهم في ذلك الحقل إلى الآخرين ، كما أنّ خدمات الآخرين في الحقول الأخرى تقدم إليهم.
والخلاصة : هو استخدام متبادل ، وخدمة ذات طرفين ، وبتعبير آخر : فإنّ الهدف من التسخير هو التعاون في أمر الحياة ، ولا شيء آخر.
ولا يخفى أنّ البشر لو كانوا متساوين جميعا من ناحية الذكاء والاستعداد الروحي والجسمي ، فسوف لن تتهيّأ مستلزمات الحياة الاجتماعيّة ، والنظم الحياتيّة مطلقا ، كما أن خلايا جسم الإنسان لو كانت متشابهة من ناحية البنية والرقة والمقاومة لا ختل نظام الجسم ، فأين خلايا عظم كعب القدم القويّة جدّا من خلايا العين الرقيقة؟ إن لكل من هاتين مهمّة خاصّة بنيت على أساسها.
والمثال الحي الذي يمكن أن يضرب لهذا الموضوع هو الخدمات المتبادلة في جهاز التنفّس ، ودوران الدم ، والتغذية ، وسائر أجهزة بدن الإنسان ، التي هي مصداق واضح لـ (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) في إطار نشاطات البدن الداخليّة ، فهل يمكن الإشكال على مثل هذا التسخير؟ وهل فيه خلل أو نقص؟