أحد. لكنّ هؤلاء المخلّفين الصلفين استمروا في تبجّحهم واتهموا النّبي ومن معه بالحسد كما صرّح القرآن بذلك : (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا).
وهكذا فإنّهم بهذا القول يكذّبون حتى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويعدّون أساس منعهم من الاشتراك في معركة خيبر الحسد فحسب.
وفي ذيل الآية يصرّح القرآن عن حالهم فيقول : (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً).
أجل إنّ أساس جميع شقائهم وسوء حظهم هو جهلهم وعدم فقاهتهم ، فالجهل ملازم لهم أبدا ، جهلهم بالله سبحانه وعدم معرفة مقام النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وجهلهم عن مصير الإنسان وعدم توجّههم إلى أنّ الثروة في الدنيا لا قرار فيها ، فهي زائلة لا محالة!.
صحيح أنّهم أذكياء في المسائل المادية والمنافع الشخصية ، ولكن أي جهل أعظم من أن يبيع الإنسان جميع كيانه وكلّ شيء منه بالثروة!
وأخيرا وطبقا لما نقلته التواريخ فإنّ النّبي الأكرم وزّع غنائم خيبر على أهل الحديبيّة فحسب ، حتى الذين لم يشتركوا في خيبر وكانوا في الحديبيّة جعل لهم النّبي سهما من غنائم خيبر ، وبالطبع لم يكن لهذا المورد أكثر من مصداق واحد وهو «جابر بن عبد الله الأنصاري» (١).
واستكمالا لهذا البحث فإنّ الآية التالية تقترح على المخلّفين عن الحديبيّة اقتراحا وتفتح عليهم باب العودة فتقول : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً).
فمتى ما ندمتم عن أعمالكم وسيرتكم السابقة ورفعتم اليد عن عبادة الدنيا وطلب الراحة ، فينبغي أن تؤدّوا امتحان صدقكم في الميادين الصعبة وأن تسهموا فيها مرّة أخرى ، وإلّا فإنّ اجتناب الميادين الصعبة ، والمساهمة في الغنائم
__________________
(١) سيرة ابن هشام ، الجزء ٣ ، الصفحة ٣٦٤.