كالأواني المتساوية الصفات الى صنعت في معمل واحد ، في شكل واحد ، وعلى وتيرة واحدة ، وبحجم واحد ، ولغاية واحدة في الاستعمال ، ولو كانوا كذلك لما أمكنهم التعايش بعضهم مع البعض الآخر يوما واحدا.
وأيضا ليس الناس من قبيل أجهزة وأدوات سيارة نظمها مهندسها على هيئة ما ، فهي تقوم بعملها بصورة إجبارية ، بل لديهم حرية الإرادة ، وعليهم مسئولية وواجب في نفس الوقت الذي تختلف فيه قابلياتهم ولياقاتهم ، وهذا هو المركب الخاص الذي يسمونه الإنسان ، والاعتراضات والإيرادات التي تطرح غالبا تنبع من عدم معرفة هذا الإنسان.
وخلاصة القول : إنّ الله سبحانه لم يفضل أي إنسان على الآخرين من كل الجهات ، بل إنّ جملة : (رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) إشارة إلى الامتيازات التي تمتاز بها كل جماعة على الجماعة الأخرى ، وتسخير كل فئة لأخرى واستخدامها لها نابع من هذه الامتيازات تماما ، وهذا عين العدالة والتدبير والحكمة (١).
* * *
__________________
(١) كان لنا بحث مفصّل في هذا الباب في ذيل الآية (٣٢) من سورة النساء ، وبحث آخر في ذيل الآية (١٦٥) من سورة الأنعام.