فنزلت الآية الآنفة في هذا الصدد والنّبي عائد من الحديبية إلى المدينة وأكّدت أنّ هذه الرؤيا كانت صادقة ولا بدّ أنّها كائنة ... تقول الآية : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) (١) فما رآه النّبي في المنام كان حقّا وصدقا.
ثمّ تضيف الآية قائلة : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) وكان في هذا التأخير حكمة : (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً).
* * *
ملاحظات
وفي الآية الكريمة عدّة ملاحظات تلفت النظر :
١ ـ ينبغي الالتفات إلى أنّ «اللام» في (لَتَدْخُلُنَ) هي لام القسم ، وأنّ «النون» في آخر الفعل هي للتوكيد ، بأنّ هذا هو وعد إلهي قطعي في المستقبل وتنبؤ معجز صريح عن أداء المناسك والعمرة في كامل الأمان ومنتهى الطمأنينة ـ وكما سنبيّن ـ كان هذا التوقّع والتنبّؤ صادقا في شهر ذي القعدة ذاته من السنة المقبلة ، وهكذا أدّى المسلمون مناسك العمرة بهذه الصورة!
٢ ـ جملة (إِنْ شاءَ اللهُ) هنا لعلّها نوع من تعليم العباد لكي يعوّلوا على مشيئة الله عند الإخبار عن المستقبل وأن لا ينسوا إرادة الله ، وأن لا يجدوا أنفسهم غير محتاجين أو مستقلّين عنه. وربّما هي إشارة للظروف التي يهيّؤها الله لهذا التوفيق «توفيق الله المسلمين لزيارة بيته في المستقبل القريب» والبقاء على خط «التوحيد والسكينة والتقوى» ...
كما يمكن أن تكون إشارة إلى بعض المسلمين الذين تنتهي أعمارهم في هذه
__________________
(١) «صدق» فعل ماض قد يستوفي مفعولين كما هي الحال في الآية الآنفة فرسوله مفعول به أوّل والرؤيا مفعول ثان ، وقد يستوفي في هذا الفعل مفعولا واحدا يتعدّى إلى المفعول الثّاني بفي كقولك صدقته في حديثه.