جامع طريف إذ يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ).
ومفهوم الآية كما أشرنا سابقا واسع إلى درجة أنّها تشمل أي نوع من أنواع التقدّم والتأخّر والكلام والتصرّفات الذاتية الخارجية عن تعليمات القيادة ...
ومع هذه الحال فإنّنا نلاحظ في تاريخ حياة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم موارد كثيرة يتقدّم فيها بعض الأفراد على أمره أو يتخلّفون ويلون رؤوسهم فيكونون موضع الملامة والتوبيخ الشديد ... ومن ذلك ما يلي ...
١ ـ حين تحرّك النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لفتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة كان ذلك في شهر رمضان وكان معه جماعة كثيرة ، منهم الفرسان ومنهم المشاة ، ولمّا بلغ (منزل) كراع الغميم أمر بإناء ماء ، فتناول منه الرّسول وأفطر ثمّ أفطر من كان معه ، إلّا أنّ العجيب أنّ جماعة منهم (تقدّم على النبي) ولم يوافقوا على الإفطار وبقوا صائمين فسمّاهم النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالعصاة (١)!
٢ ـ ومثل آخر ما حدث في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة حيث أمر النبيّ أن ينادي المنادي : «من لم يسق منكم هديا فليحلّ وليجعلها عمرة ، ومن ساق منكم هديا فليقم على إحرامه» ثمّ يؤدّي مناسك الحج وأنّ من جاء بالهدي (وحجّه حجّ إفراد) فعليه أن يبقى على إحرامه ... ثمّ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم «لولا أنّي سقت الهدي لأحللت ، وجعلتها عمرة ، فمن لم يسق هديا فليحلّ». إلّا أنّ جماعة أبوا وقالوا كيف يمكننا أن نحل وما يزال النّبي محرما أليس قبيحا أن نمضي للحج بعد أداء العمرة ويسيل منّا ماء الغسل «من الجنابة».
فساء النّبي ما قالوا ووبّخهم ولامهم (٢).
٣ ـ قصة التخلّف عن جيش أسامة عند ما أراد النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يلتحق بالرفيق
__________________
(١) نقل هذا الحديث كثير من المؤرخين والمحدّثين ومنها ما ورد في الجزء السابع من وسائل الشيعة ، الصفحة ١٢٥ ، باب من يصح منه الصوم مع شيء من التلخيص.
(٢) بحار الأنوار ، ج ٢١ ، ص ٣٨٦ (بشيء من التصرّف والاختصار).