فلو أنّ النّبي قد أخذ بقول «الوليد بن عقبة» وعدّ قبيلة بني المصطلق مرتدّين وقاتلهم لكانت فاجعة ومصيبة عظمى! ...
ويستفاد من لحن الآية التالية أنّ جماعة من أصحاب الرّسول اصرّوا على قتال بني المصطلق ، فقال لهم القرآن إنّ هذا هو الجهل بعينه وعاقبته الندم.
واستدل جماعة من علماء الأصول على حجّية خبر الواحد بهذه الآية لأنّها تقول إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا ... ومفهومها أنّ العادل لو جاء بنبإ فلا يلزم التبيّن ... ويصح قبول خبره إلّا أنّه أشكل على هذا الاستدلال بمسائل عديدة أهمها مسألتان :
المسألة الأولى : إنّ الاستدلال المتقدّم ذكره متوقّف على قبول «حجّية مفهوم الوصف» ، والمعروف أنّه لا حجّية لمفهوم الوصف (١) ...
المسألة الثانية : إنّ العلة المذكورة في ذيل الآية فيها من السعة ما يشمل خبري العادل والفاسق معا لأنّ العمل بالخبر الظنّي ـ مهما كان ـ ففيه احتمال الندم.
لكنّ هاتين المسألتين يمكن حلّهما ، لأنّ مفهوم الوصف وأي قيد آخر في الموارد التي يراد منها بيان القيد في مقام الاحتراز حجة ، وذكر هذا القيد «قيد الفاسق» في الآية المتقدّمة طبقا للظهور العرفي لا فائدة منه تستحق الملاحظة سوى حجّية خبر العادل!
وأمّا في مورد التعليل الوارد في ذيل الآية فالظاهر أنّه لا يشمل كلّ عمل بالأدلة الظنّية ، بل هو ناظر إلى الموارد التي يكون العمل فيها بجهالة ، أي العمل بسفاهة وحمق ، لأنّ الآية عوّلت على الجهالة ، ونعرف أنّ أغلب الأدلة التي يعوّل عليها العقلاء جميعا في العالم في المسائل اليومية هي دلائل ظنّية «من قبيل
__________________
(١) يتصوّر بعضهم أنّ المسألة هنا من قبيل مفهوم الشرط ومفهوم الشرط حجّة ، في حين أنّه لا علاقة هنا بمفهوم الشرط ، إضافة الى ذلك فإنّ الجملة الشرطية هنا لبيان الموضوع ونعرف أنّه في مثل هذه الموارد لا مفهوم للجملة الشرطية أيضا فلاحظوا بدقّة.