قَرِينٌ) (١) (٢).
نعم ، إنّ الغفلة عن ذكر الله ، والغرق في لذات الدنيا ، والانهيار بزخارفها ومغرياتها يؤدي إلى تسلط شيطان على الإنسان يكون قرينة دائما ، ويلقي لجاما حول رقبته يشدّه به ، ويجرّه إليه ليذهب به حيث يشاء!
من البديهي أنّه لا مجال لأن يتصور أحد معنى الجبر في هذه الآية لأنّ هذه نتيجة الأعمال التي قام بها هؤلاء أنفسهم ، وقد قلنا مرارا : إنّ أولى نتائج أعمال الإنسان ـ وخاصة الانغماس في ملاذ الدنيا ، والتلوث بأنواع المعاصي ـ هو تكوّن حجاب على القلب والسمع والبصر يبعده عن الله سبحانه ، ويسلط الشياطين عليه ، وقد يستمرّ هذا الحال بالنسبة إليه حتى يغلق بوجهه باب الرجوع ، لأنّ الشياطين والأفكار الشيطانية تكون حينئذ قد أحاطت به من كل جانب ، وهذه نتيجة عمل الإنسان نفسه ، وإن كانت نسبتها إلى الله سبحانه بلحاظ كونه سبب الأسباب صحيحة أيضا ، وهذا هو نفس الشيء الذي عبّر عنه في آيات القرآن الأخرى بعنوان تزيين الشياطين (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) (٣) ، أو بعنوان ولاية الشيطان (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ). (٤)
وممّا يستحق الانتباه أن جملة (نُقَيِّضْ) وبالالتفات إلى معناها اللغوي ، تدل على استيلاء الشياطين ، كما تدل على كونهم أقرانا ، وفي الوقت نفسه فقد جاءت جملة : (فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) بعدها لتؤكّد هذا المعنى ، وهو أنّ الشياطين لا يفارقون مثل هؤلاء الأفراد ، ولا يبتعدون عنهم مطلقا!
__________________
(١) «يعش» من مادة العشو ، فإن عديت بـ (إلى) : (عشوت إليه) فهي تعني الهداية بواسطة شيء ما بعين ضعيفة ، وإن عديت بـ (عن) : (عشا عنه) ، وأعطت معنى الإعراض عن الشيء ، وهو المراد في الآية المذكورة. لسان العرب (عشو).
(٢) «نقيّض» من مادة قيض ، وهي في الأصل بمعنى الغشاء الذي يغطي البيضة ، ثمّ جاءت بمعنى جعل شيء مستوليا على شيء آخر.
(٣) النحل ، الآية ٦٣.
(٤) النحل ، الآية ٦٣.