فإنّا سنعاقبهم أشدّ عقاب إن استمروا في طريق ضلالتهم وغيهم ، لأنّ «الانتقام» في الأصل يعني الجزاء والعقوبة ، وإن كان المستفاد من آيات قرآنية عديدة أخرى ـ نزلت في هذا المعنى ـ إن المراد من الذهاب بالنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفاته ، كما جاء في الآية (٤٦) من سورة يونس : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ).
وجاء هذا المعنى أيضا في سورة الرعد ـ الآية ٤٠ ، وسورة غافر ـ الآية ٧٧ ، وعلى هذا فإنّ تفسير الآية بالهجرة لا يبدو مناسبا.
ثمّ تضيف الآية : (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) فهم في قبضتنا على أية حال ، سواء كانت بينهم أم لم تكن ، والعقاب والانتقام الإلهي حتمي في حقّهم إذا ما استمروا في أعمالهم ، سواء كان ذلك في حياتك أم بعد مماتك ، فقد يتقدم أو يتأخر ، إلّا أنّه لا بدّ من وقوعه.
إنّ هذه التأكيدات القرآنية قد تكون إشارة إلى قلّة صبر الكفّار الذي كانوا يقولون : «إن كنت محقا وصادقا فيما تقول ، فلما ذا لا ينزل علينا العذاب»؟ هذا من جهة. ومن جهة أخرى كانوا في انتظار موت النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ظنّا منهم أن النّبي إن أغمض عينه وغاب شخصه فسينتهي كل شيء!
بعد هذه التحذيرات تأمر الآية النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فليس في دينك وكتابك أدنى اعوجاج أو زيغ ، وعدم قبول جماعة من هؤلاء به لا يدل على عدم حقانيتك ، فاستمر في طريقك بكل ما أوتيت من قوّة ، والباقي علينا.
ثمّ تضيف الآية الأخرى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) فإنّ الهدف من نزوله إيقاظ البشر ، وتعريفهم بتكاليفهم : (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ).
وبناء على هذا التّفسير فإنّ الذكر في هذه الآية يعني ذكر الله سبحانه ، ومعرفة الواجبات الدينيّة ، والاطلاع على تكاليف البشر ، كما ورد هذا المعنى في الآيتين