واعتقادهم بفرعون ، ووضعت كل نظامهم الاجتماعي والديني موضع سؤال واستفسار.
هنا أراد فرعون بسفسطته ومغالطته أن يمنع نفوذ موسى عليهالسلام عن التأثير في أفكار شعب مصر ، فالتجأ إلى القيم الواهية المنحطة التي كانت حاكمة في ذلك المحيط ، وقارن بينه وبين موسى عليهالسلام من خلال هذه القيم ليبدو متفوقا على موسى ، كما يذكر ذلك القرآن الكريم حيث يقول : (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) (١).
أمّا موسى فما ذا يملك؟ لا شيء سوى عصا ولباس صوف! فلمن الشأن الرفيع والمكانة السامية ، له أم لي؟ أهو يقول الحق أم أنا؟ افتحوا عيونكم جيدا وتأمّلوا دقيقا في المسألة.
وبهذا فقد عظم فرعون القيم المبتدعة السيئة ، وجعل المال والمقام والجاه هي معايير الإنسانية ، كما هو الحال بالنسبة إلى عبدة الأصنام في عصر الجاهلية في موقفهم أمام نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم.
التعبير بـ «نادى» يوحي بأن فرعون عقد مجلسا عظيما لخبراء البلد ومستشاريه ، وخاطبهم جميعا بصوت عال فقال ما قال ، أو أنّه أمر أن يوزع نداؤه كرسالة في جميع أنحاء البلاد.
والتعبير بالأنهار ، المراد منه نهر النيل ، بسبب أن هذا النهر العظيم كالبحر المترامي الأطراف ، وكان يتشعب إلى فروع كثيرة تروي كل المناطق العامرة في مصر.
وقال بعض المفسّرين : كان لنهر النيل (٣٦٠) فرعا ، وكان أهمها : نهر الملك ، ونهر طولون ، ونهر دمياط ، ونهر تنيس.
__________________
(١) الواو في جملة (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) يمكن أن تكون عاطفة على (ملك مصر) ويمكن أن تكون حالية (تفسير الكشاف). إلّا أن الاحتمال الأوّل يبدو هو الأنسب.