برامج استخفاف العقول ، فهي من أهم واجباتهم.
والطريف أنّ الآية المذكورة تنتهي بجملة : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) ، إشارة إلى أنّ هؤلاء القوم الضالين لو لم يكونوا فاسقين ومتمردين على طاعة الله عزوجل وحكم العقل ، لما كانوا يستسلمون لمثل هذه الدعايات والخزعبلات ويصغون إليها ، فهم قد هيؤوا أسباب ضلالهم بأيديهم ، ولذلك فإنّهم ليسوا معذورين في هذا الضلال أبدا.
صحيح أنّ فرعون قد سرق عقول هؤلاء وحملهم على طاعته ، إلّا أنّهم قد أعانوه على هذه السرقة باتباعهم الأعمى له.
نعم ، كان هؤلاء قوما فاسقين يتبعون فاسقا.
كانت هذه جنايات فرعون وآل فرعون ومغالطاتهم في مواجهة رسول الله موسى عليهالسلام ، لكننا نرى الآن إلى أين وصلت عاقبة أمرهم بعد كل هذا الوعظ والإرشاد وإتمام الحجج من طرق مختلفة ، إذ لم يسملوا للحق :
تقول الآية : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) فقد اختار الله سبحانه لهؤلاء عقوبة الإغراق بالخصوص من بين كل العقوبات ، وذلك لأنّ كلّ عزّتهم وشوكتهم وافتخارهم وقوّتهم كانت بنهر النيل العظيم وفروعه الكثيرة الكبيرة ، والذي كان فرعون يؤكّد عليه من بين كل مصادر قوته ، إذ قال (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)؟
نعم ، يجب أن يكون مصدر حياتهم وقوّتهم ، سبب هلاكهم وفنائهم ، ويكون قبرا لهم ليعتبر الآخرون!
«آسفونا» من مادة الأسف ، وهو الحزن والغم ، ويأتي بمعنى الغضب ، بل إنّه يقال للحزن المقترن بالغضب أحيانا ـ على قول الراغب في مفرداته (١) ـ وقد يقال لكل منهما على الانفراد. وحقيقته ثوران دم القلب ، شهوة الانتقام ، فمتى كان ذلك
__________________
(١) مفردات الراغب ، مادة (أسف).