بل : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) فقد كانت ولادته من غير أب آية من آيات الله ، وتكمله في المهد آية أخرى ، وكانت كل معجزة من معجزاته علامة بينة على عظمة الله سبحانه ، وعلى مقام النبوّة.
لقد كان عيسى مقرا طوال حياته بالعبودية لله ، ودعا الجميع إلى عبوديته سبحانه ، ولما كان موجودا في أمته لم يسمح لأحد بالانحراف عن مسير التوحيد ، ولكن المسيحيين أوجدوا خرافة ألوهية المسيح ، أو التثليث ، بعده (١).
والطريف أن نقرأ في روايات عديدة وردت عن طريق الشيعة والسنة ، أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لعلي عليهالسلام : «إنّ فيك مثلا من عيسى ، أحبّه قوم فهلكوا فيه ، وأبغضه قوم فهلكوا فيه» فقال المنافقون : أما رضي له مثلا إلّا عيسى ، فنزل قوله تعالى : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ).
وما قلناه متن رواية أوردها الحافظ أبو بكر بن مردويه ـ من علماء أهل السنة المعروفين ـ في كتاب المناقب. طبقا لنقل كشف الغمة صفحة ٩٥.
__________________
(١) احتملوا في تفسير الآيات أعلاه احتمالات أخرى ، وكل منها لا يتناسب مع محتوى الآيات :
١ ـ فقال البعض : إنّ المراد من المثل الذي ضربه المشركون هو أنّهم قالوا بعد ذكر المسيح وقصته في آيات القرآن : إنّ محمّدا يهيء الأرضية ليدعونا إلى عبادته ، والقرآن في مقام الدفاع عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لم يكن المسيح مدعيا للألوهية ، وسوف لن يدعيها هو أيضا.
٢ ـ وقال البعض الآخر : إنّ المراد من المثل في الآيات المذكورة هو التشبيه الذي ذكره الله سبحانه في شأن المسيح في الآية (٥٩) من سورة آل عمران ، حيث يقول : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فإذا كان عيسى قد ولد من غير أب فإن ذلك لا يثير العجب ، لأنّ آدم قد ولد من غير أب وأم ، بل من التراب بأمر الله تعالى.
٣ ـ واحتمل بعض آخر أنّ المراد من المثل هو قول المشركين حيث كانوا يقولون : إذا كان النصارى يعبدون المسيح ، فلما ذا لا تكون آلهتنا التي هي أسمى منه ، لائقة للعبادة وأهلا لها؟غير أنّ الالتفات إلى الخصوصيات التي ذكرت في هذه الآيات يوضح أن أيّا من هذه التّفسيرات الثلاثة لا يصح ، لأنّ الآيات تبيّن جيدا :
أوّلا : أنّ المثل كان من ناحية المشركين.
ثانيا : كان الموضوع قد أثار ضجة وصخبا ، وكان مضحكا بنظرهم.
ثالثا : كان شيئا على خلاف مقام عبودية المسيح عليهالسلام.
رابعا : أنّه كان يحقق هدف هؤلاء ، وهو الجدال في أمر كان كاذبا. وهذه الخصائص لا تتناسب إلّا مع ما قلناه في المتن فقط.