الكنز الذي كان عبارة من دراهم ودنانير ، أو كما جاء في الأحاديث : ان هذا الكنز كان كتبا خاصة باليتيمين ، حيث كتب أبوهما فيهما مختلف الأشياء ، واحتفظ بها تحت الجدار فأراد الله أن يبلغا سن الرشد ويستخرجا كنزهما ويستفيدا منه ، فقد روى القمي عن الصادق عليه السلام «كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب بسم الله لا إله إلا الله محمد رسول الله ، عجبت لمن يعلم ان الموت حق كيف يفرح ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، عجبت لمن يذكر النار كيف يضحك ، عجبت لمن يرى الدنيا وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها» (١).
ان هذه الآية والآية السابقة تدلان على فكرة هامة وهي : ان الله سبحانه وتعالى يكرم الإنسان لأجل أبويه وانه إذا عمل الإنسان عملا صالحا فان الله يكرمه ليس في ذاته فقط وانما في أبنائه أيضا ، وان كثيرا من حكم الحوادث في الحياة التي تقع دون أن نعرف طبيعتها مرتبطة ليس بالشخص ذاته ، وانما مرتبطة بشخص آخر ، فلربما أكرم الله مريم الصديقة ، وأنشأها ، وربّاها منذ نعومة أظفارها تلك التربية الزكية بسبب والدتها التي نذرت ما في بطنها محررا ، وأكرم عيسى بسبب أمه مريم الصديقة ، وربما أكرم الله سبحانه كثيرا من الرجال المصلحين الذين ترى فيهم منذ طفولتهم آيات الشجاعة والذكاء من أجل آبائهم أو أمهاتهم جاء في الحديث عن العياشي عن الصادق عليه السلام : «ان الله ليحفظ ولد المؤمن الى الف سنة ، وان الغلامين كان بينهما وبين أبويهما سبعمائة سنة ، وقال : ان الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته ودويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله» (٢).
__________________
(١) تفسير الصافي ج ٣ ص ٢٥٧
(٢) المصدر