فبعض كان يستمر على الايمان رغم الفتن ، والبعض عند ما يجد ان السجن والتعذيب والتشريد والقتل ثمن إيمانه ، ينهار إلّا من رحم ربك.
جاء في الأثر المروي عن الامام أبي الحسن عليه السلام في تفسير الآية انه قال لمعمّر بن خلاد : «ما الفتنة؟» قلت : جعلت فداك الفتنة في الدين ، فقال : «يفتنون كما يفتن الذهب» ثمّ قال : «يخلصون كما يخلص الذهب» (١)
وحكمة الفتنة في الدنيا أنها تطهر القلب كما يطهّر الذهب ، وقد صنع الله الدنيا بطريقة تتناسب والفتنة ، يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام :
«ولكن الله ـ جل ثناؤه ـ جعل رسله أولى قوة في عزائم نياتهم ، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم من قناعة تملأ القلوب والعيون غناؤه وخصاصة يملأ الأسماع والأبصار أداؤه ، ولو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام ، وعزة لا تضام ، وملك يمد نحوه أعناق الرجال ، ويشد اليه عقد الرحال لكان أهون على الخلق في الاختبار ، وأبعد لهم في الاستكبار ، ولآمنوا عن رغبة قاهرة لهم أو رهبة ماثلة بهم ، فكانت النيات مشتركة ، والحسنات مقتسمة ، ولكن الله أراد أن يكون الاتباع لرسله ، والتصديق بكتبه ، والخشوع لوجهه ، والاستكانة لأمره ، والاستسلام اليه أمورا خاصة لا يشوبها من غيرها شائبة ، وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل ألّا ترون ان الله جلّ ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم الى آخرين من هذا العالم بأحجار ما تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ، ثمّ جعله بأوعر بقاع الأرض حجرا ، وأقل نتائق الدنيا مدرا وأضيق بطون الأودية معاشا ، وأغلظ محال المسلمين مياها ، بين جبال خشنة ، ورمال دمثة ، وقرى منقطعة ، وأثر من مواضع قطر السماء داثر ، ليس يزكو به خف ولا ظلف ولا حافر ، ثم أمر آدم وولده أن يثنوا أعطافهم
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ج ٤ / ص ١٤٨