وآخركم ، وحيّكم وميتكم ، ورطبكم ويابسكم ، اجتمعوا فيتمنّى كلّ واحد ما بلغت أمنيته فأعطيته لم يتبيّن ذلك في ملكي ، كما لو أنّ أحدكم مرّ على شفير البحر فغمس فيه إبرة ثم انتزعها (١) ذلك بأنّي جواد ماجد واجد ، عطائي كلام ، وعداتي كلام ، فإذا أردت شيئا فإنّما أقول له : كن ، فيكون» (٢)
جيم : الدعاء يزيد العبد حبّا لربّه ، والحبّ أفضل علاقة تصل قلب الإنسان بربّ العالمين. إنّه يغمر القلب صفاء وعطاء ، وحبّا للناس وحبّا للحياة ، وبهجة وسكينة .. كذلك الدين ليس إلّا الحب ، وما أغلى قيمة الحبّ إذا كان الحبيب ربّ السموات والأرض.
وهل يشعر بوحشة من يعيش بقلبه في حضرة ربّه؟ وهل يحسّ بالفقر من يجد مليك السموات والأرض ، وهل يجد الذلّ سبيلا الى قلب جليس جبّار السموات والأرض؟
ومن أحبّ ربّه سارع الى طاعاته ، بلا تكلّف ولا توان ولا حزن ، وكانت الصلاة قرة عينه ، والزكاة مطيّة قربه ، والشهادة غاية مناه ، لأنّ فيها لقاء ربّه. وإنّ أولئك الذين منّ الله عليهم بحبّه لا يبيعون لحظة مناجاته بملك الدنيا ، لأنّ في تلك اللحظة وجدان الحقيقة ولذّة العمر ، وحلاوة اللقاء بالحبيب.
وهكذا جاء في النصوص انّ الله يحبّ الدعاء ويحبّ الدّاعين ، وهل يحبّ الله أحدا ثم لا يرزقه حبّه ، وهو أعظم نعمة؟!
قال النبي (ص) : «ما من عبد يسلك واديا فيبسط كفّيه فيذكر الله ويدعو
__________________
(١) معناه : إنّ كلّ تمنيات العباد ليست عند ملك الله الا بمقدار رأس ابرة بالنسبة الى بحر عظيم.
(٢) المصدر / ص ٢٩٣.