(فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)
[٨٣] لقد اعتمدوا على منطق القوة فرفضوا المنطق السليم ، وأرادوا دعم منطقهم بأموالهم وآثارهم في الأرض ، زاعمين أنّهم على حقّ لأنّهم الأقوى ظاهرا ، وأنّ علمهم هو الأفضل لأنّهم أكثر عددا وعدّة.
(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)
ولعلّ معنى الفرح هنا : الاستغناء به عن العلوم الأخرى ، كمن يعتزّ برأيه ، وهذا يوجب الانغلاق دون الأفكار الجديدة ، وهذه ـ في الواقع ـ عادة الظالمين حيث أنّهم يصابون بالتعصّب والتقليد حتى لكأنّ قلوبهم في أكنّة ، يخشون من كلّ جديد ، وينغلقون دون كلّ دعوة.
وهذا ليس من حكمة العلماء إنّما هي صفة أصحاب القوة ، فالعلم بذاته يدعو إلى التواضع ، ويهدي صاحبه الى آفاق جهله ، وآماد المعارف التي يجب عليه السعي إليها ، وقد شبّه بعضهم العلم بحلقة في صحراء الجهل كلّما اتسعت حدودها كلّما لامست مساحات جديدة من هذه الصحراء ، لذلك ترى أحد العلماء يقول عند موته عند ما يسأل : ماذا علمت؟ يقول : علمت بأنّي لا أعرف شيئا.
بلى. إنّنا نجد بعض الجهلاء اليوم يفتخرون بعلم العلماء (لا علمهم هم) ويرفضون رسالة الله اعتمادا على تقدّمهم العلمي ، بينما نجد علماءهم يزدادون تواضعا للحقائق كلّما ازدادوا علما.
(وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)
لقد استهزءوا بالحقائق فأهلكتهم ، واليوم حيث يستبدّ بالمستكبرين في الأرض