فسال لعابه النحيس على القرى المحيطة فأذابها ، أو بسيول عارمة اقتلعت في طريقها الأشجار ودمّرت القرى .. أقول مثل هذا الإنسان يعي ـ بعض الشيء ـ معنى العذاب في الدنيا ، وفظاعته ، وبشاعة مناظرة ..
ولكن كلّ ذلك العذاب ، وكلّ تلك الويلات والمآسي ، تعتبر تافهة إذا ما قيست بعذاب الآخرة ، وهول ما يجري فيها ، ودوامه.
بلى. إنّ عذاب الدنيا يهدينا الى وجود العذاب الأخروي ، وجانبا من حقيقته ..
الحمّى وآلامها التي قد تعتري الجسم فتحوّله الى خرقة بالية! ليست سوى لفحة من نار جهنم.
وهذه النار التي تذيب الحديد ، صورة مخفّضة سبعين مرة عن نار جهنم.
ولعلّه حتى الحرارة التي يولّدها تفجير قنبلة ذرية هائلة فتحوّل الصخور دخانا خلال أقل من ثانية ليست سوى لهيب من نار جهنم ، التي هي أشدّ حرّا مما نتصوره في الدنيا .. وحتى الحرارة الموجودة في مركز الشمس المتناهية الشدة لا تقاس بنار جهنم. أو لا نقرأ في النصوص أنّ الشمس تلقى في جهنّم فتصرخ من حرّها؟!
فهل تتحمّل العظام الناعمة ، والأجسام الترفه ، والجلود الرقيقة ، والأعصاب الحسّاسة ، ذلك العذاب الرهيب الذي يحول ساكنيه الى شعلة متقدة؟!!
نعم هكذا يفعل العذاب بالكافرين ، فهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، يقول تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) كما وأنّه لا يغمى عليهم ، كما يحدث للمعذّب أو المصاب بآلام في الدنيا ، ولا يعطون إجازات