فمثلا قد يظنّون أنّ الله يعلم فقط ظاهرا من أقوالهم وأعمالهم فيزعمون أنّهم قادرون على تبرير سيئات أفعالهم وفاحش أقوالهم أمام ربّهم ، بأن يقول الواحد منهم : إنّني كنت مجبورا ، أو مضطّرا الى السيئة ، أو عملتها من دون وعيي وإرادتي.
كذلك يبرّر المجرمون قبل ارتكاب الموبقات سيئاتهم لأنفسهم ، ويختلقون الأعذار التي يزعمون أنّها تغنيهم عن العقاب أو الجزاء ، ولو عرفوا أنّ الناقد بصير ، وأنّه لا تخفى عليه خافية ، لارتدعوا.
وما دام الإنسان يعلم أنّ تبرير عمله للناس ليس بحق لأنّ الله يعلم به ، فهو يرجى صلاحه ، لأنّ في قلبه لا تزال مسافة بين الحق والباطل ، وأمّا إذا وصل الى مستوى يختلط في قلبه الحق والباطل ، وأنّ التبرير الذي يختلقه للناس يستطيع أن يخدع به ربّه ، فقد هوى ولا أمل في نجاته.
ومثل هذا الصنف كثير ، وإنّهم ليأتون يوم القيامة ربّهم ، فيوقفهم للحساب ، فيشرعون في طرح أعذارهم التي تشبّثوا بها في الدنيا ، بعضهم يقول : كنت مكرها ، ويقول الآخر : كنت مستضعفا ، ويقول ثالث : لم أرد إلّا الخير ، وهكذا ، ومن الناس من ينكر كلّ أفعاله السيئة ، ويحلف على ذلك بالأيمان ، يقول الرب : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (١) وعن المبرّرين يقول : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (٢)
__________________
(١) الانعام / (٢٢ ـ ٢٣) .
(٢) النساء / (٩٧) .